د. رضوان بوجمعة
الجزائر الجديدة 171
يواصل الشعب الجزائري اعطاء اجمل الصور عن وعيه وعن ذكاء ثورته و عن حرصه على إستمرار ثورته تماما كما بحرص على الصحة العمومية التي تعاني كغيرها من المجالات من فساد منظومة حكم تعرض حتى الطاقم الطبي فيها لكل المخاطر بسبب استفحال الفساد و سوء التسير فيها و غياب الرؤية و الاستراتيجية.
الشعب الجزائري اليوم اختار اخلاء الشوارع من التظاهر، وهو يواصل في مسيرته هذه مواجهة تحالف سلطة منتهية الصلاحية تدافع عنها منظومة إعلامية فاقدة المصداقية و غارقة في الفساد و الدعاية، و حملة شهادات يبررون ما لا يبرر للاقتراب من ريع السلطان لأن غالبيتهم يحلمون بالتعيين بالمراسيم الرئاسية حتى وهم يعيشون أكبر وباء يهدد الجنس البشري، و بالاضافة لهؤلاءا يعاني الشعب الجزائري منذ عشريات من الزمن من عنصرية اجتماعية ينتجها "مثقفون" تخصصوا في جلد الذات و في كراهية المجتمع، و في تضخيم كل ما هو سلبي في المجتمع، فمنهم من ذهب إلى أن الكرونا قد تنمي العلمانية بسبب تعطيل صلوات الجماعة، ومنهم من وضع نفسه مدافعا عن دين فصلت مقاصده في أولوية حفظ عن النفس عن الدين، ومنهم حتى من دعا و الامة تحت هذه الازمة، لإطلاق جائزة أدبية بتمويل من أحد رجال المال الذي يمول الجريدة التي يكتب بها، وكل هؤلاء تحالفوا كلهم منذ أسابيع ضد الامة و دفاعا عن السلطة، وهم يرمون الشعب الجزائري بكل الاتهامات التي تنم عن تعالي مرضي مسكون بعقد مختلفة، فمن اتهامات "الجهل"،و " انعدام النظافة" "وانعدام الوعي"، و " اللهفة"، و " و المزايدة في الاسعار" و غيرها من الاتهامات التي لا يتم وضعها اطلاقا في سياقاتها و في حدودها.
مثقفو ايديولوجية الرجل الابيض
تحالف كل هؤلاء في استراتيجية بينت أن مشكلتهم ليست لا الوباء و لا الكرونا و لكن ثورة الشعب التي هزت أركان نظام اخرج الجزائر من التاريخ و قد يهدد أمنها القومي مع أعظم و باء يهدد البشرية في نهاية العشرية الثانية من هذا القرن.
هؤلاء الذين يرون المجتمع من فوق، لا يرون أن الكثير من الدول المتقدمة تنتج مجتمعاتها تصرفات لا تختلف عن بعض التصرفات الحادثة عندنا على محدوديتها، لكن لا يتم لا تضخبمها و لا استخدامها من قبل نخبها لممارسة العنصرية الاجتماعية ضد المجتمع، فصور نفاذ المواد الاستهلاكية عرفتها المحلات في فرنسا و في اسبانيا و في ايطاليا و في هولندا و حتى في عواصم أخرى متقدمة و متخلفة، كما عرفت هذه المجتمعات التي يربط بها الكثير من " المثقفين" عندنا بينها و بين الحضارة، صور العنف و التزاحم من أجل اقتناء الورق الصحي، كما أن صور الطوابير امام محلات بيع الماريخوانا في هولندا لم تثر كل الضحك و التعجب الذي يثيره أي تصرف من الجزائريين، رغم أن هذه المجتمعات تعيش في أنظمة عقلانية لا تعاني من مشكل الشرعية و الحريات و استقلالية القضاء التي نعاني منها، و التي لا تثير استهجان "مثقفين" عندنا تخصصوا في اصطياد الجوائز و في كتابة ما يريد أن يقرأه منظروا ايديولوجية الرجل الابيض عن مجتمعاتنا في الخارج و كل ما يزيد في تعزيز سلطة العسكر في بلداننا.
تعليق المسيرات يقوي الثورة و يحمي الامة.
هذه الجمعة قررت الثورة أن تحولها لحملات توعوية ضد الكورونا، بعدما انطلقت الثورة عبر شبكات التواصل الاجتماعي في فتح نقاش حول المرحلة و كيفية مواجهة الكورونا و الاستمرار في مواجهة نظام انتج فيروسات أخرى مزمنة من الفساد و الاستبداد و الظلم الاجتماعي و تبعية القضاء للسلطة التنفيذية و تغول البوليس السياسي على جهاز القضاء، و غيرها من الفيروسات التي أصابت حتى منظومة الصحة بأمراض مزمنة.
صورة الامة اليوم في هذه الجمعة لا يمكن أن تصنعها إلا الامم التي بلغت و عيا سياسيا كبيرا، فكيف لامة تتظاهر منذ أكثر من 13شهرا، نقرر تعليق المسيرات، و يتم التوافق على القرار من الشرق إلى الغرب و من الشمال إلى الجنوب، و تتحول خلال أيام معدودة إلى ثورة على فيروس كورونا بعدما بقيت 57جمعة في ثورة سلمية دائمة و ذكية ضد حكم الفرد الواحد و الاستبداد و الفساد، و لا ينحرف المجتمع نحو العنف رغم الضغط و الاستفزاز ومن دعاية منظومة الإعلام و حملة الشهادات و مثقفو الصالونات الذين لم يتوقفوا يوما و طول هذه المدة عن ممارسة الدعاية و الجهوية و الكراهية ضد شعب مسالم يريد قطيعة مع ممارسات نظام أنتج طبقة من المنتفعين من الريع في الداخل و الخارج.
جمعة اليوم هي ام الجمعات، جمعة أكدت أن التحول الاجتماعي العميق الذي يتم سيؤدي حتما إلى تحول سياسي و إلى تغيير منظومة الحكم، و بأن هذه الثورة السلمية الذكية هي مسار طويل، و المجتمع يعطي مؤشرات امتلاكه لهذا النفس الطويل، هذا النفس الذي سيواجه الوباء العالمي رغم كل التحديات المتعلقة بفشل منظومة الحكم في بناء منظومة صحية تحقق اهداف الصحة العمومية، كما سيستمر في إسقاط كل مناورات سلطة لا تملك اية رؤية و لا تريد إلا إعادة إنتاج منظومة حكم اصبحت تهدد الجزائر في أمنها القومي و في وجودها ككيان جغرافي و قانوني، وهو ما تأكدت منه الامة التي عرت كل المنتفعين و المضللين الذين كان بإمكانهم حتى القول بأن ثورة الشعب هي سبب الكورونا، رغم أن نزيل المرادية عبد المجيد تبون قال ان " الوضع تحت السيطرة "،وهو ما لم يقله رؤساء أكبر الدول التي تملك كل الامكانيات، وهي الرسالة التي لم تصدقها ثورة الشعب لذلك اختارت الصوم عن التظاهر لإطلاق حرب ضد فيروس كورونا مع مواصلة الثورة ضد فيروس الفساد و الاستبداد.
رضوان بوجمعة
الجزائر في 20مارس 2020
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك