نوري دريس ـ تغول السلطة ومنع الجزائريين من ممارسة السياسة
بواسطة 2020-03-11 23:58:14

د. نوري دريس
توجه القضاء تحو حرمان الناشطين من حقوقهم السياسية وحرياتهم الفردية, يعكس اصرار السلطة علي منع الجزائريين من ممارسة السياسة, وعدم استعدادها لللسماح لغير الزبائن النافعين والخدم المطيعين الذين صنعتهم الاجهزة وربتهم منذ نعومة أظافرهم, للعب داخل الهامش السياسي الضيق التي تحرر بعد اكتوبر 1988.
نضوب الشرعية التي يستند عليها النظام, وهشاشة تماسكه الداخلي, واهتلاك شبكاته الحزبية والجمعياتية التقليدية...ستدفع به الي الانكفاء علي نفسه اكثر فاكثر في مواجهته لمطالب المجتمع بفتح المجال السياسي واخضاع السلطة لمبدأ التداول السلمي الذي تحكمه قوانين يصوغها المجتمع في البرلمان , يحرصها الاعلام ويحميها القضاء...
يدرك النظام ان اي سياسي يستمد شرعيته من الشعب سيصعب ترويضه واخضاعه, ولهذا يمنع تشكل قوي سياسية خارج الزمر التي يصنعها ويراقبها و يرعاها..يريد ان يستمر في لعب دور مصدر الشرعية و المانح الوحيد للتفويض...
ان كل خطاب حول محاربة الفساد, و تنويع الاقتصاد, و تحسين ظروف عيش الجزائريين, سوف يسقط امام رفض النظام للتنازل عن التفويض وعن الحق في تحديد المسموح لهم ممارسة السياسة و الممنوعة عليهم...
ان مطالب الجزائريين بدولة.القانون, التي تقوم علي تقييد السلطة السياسية, عن طريق الاعلام الحر و القضاء المستقل, والسلطة التشريعية المنتخبة, ليست ترفا سياسيا, بل يعكس وعيا عاما مفاده ان عدم تقييد السلطة السياسية لمنعها اعوان الدولة من استخدام سلطتهم بشكل تعسفي ضد الفاعلين الاقتصاديين, او غيرهم, لن يسمح لبقية الحقول الاخري بالاشتغال بشكل طبيعي ووفقا لمنطقها الخاص بها....
للسلطة طابعا تعسفيا وافتراسيا, واذا لم يتم تقييدها , فإنها سوف تمد يدها الي حقول أخرى خارجة عن مجال صلاحيلتها...
لا يمكن للاستثمار الاقتصادي ان يزدهر الا في دولة حيث الحقل الاقتصادي يحميه القضاء المستقل, و يحمي الفاعلين الاقتصاديين من تعسف رجال الدولة البيروقراطيين الذين لا يمكم اشباع نهمهم في جمع المال دون بذل جهد, و لا يمكن للاستثمار ايضا ان يزدهر دون ان يمنع القضاء و الاعلام و البرلمان رجال السياسة من تجاوز حدودهم نحو مجالات اخري..
الانتاج ليس فعلا محايدا, بل هو فعل يحتاج ان تكون القوانين التي تحكمه محمية من كافة التدخلات اللا اقتصادية و الخارج اقتصادية...
ان الحقل السياسي هو المكان الذي يراهن عليه البيروقراطي , المدني والعسكري, لجمع الثروة باستغلال سلطتهم و الامتيازات التي ترتبط بها..
و الحقل الاقتصادي هو فضاء المجتمع المدني لانتاج السلع, تبادلها وجمع الثروات عن طريق استغلال قوة العمل....
المجتمع الجزائري منع منذ الاستقلال الي اليوم, من ممارسة السياسة بشكل علني ( الانتخاب, الاحزاب, الاعلام الحر..), و النتيجة هي ان السلطة تحررت من كافة اشكال الرقابة وامتدت لتصبغ كل الحقول الاجتماعية بمنطقها وتخضعها لمصلحة اعوانها. تحول الاقتصاد الي مجرد فضاء يتم فيه تقاسم الخيرات والثروات الريعية بين رجال السلطة وتوزيع جزء منها علي الموالين الذين يلعبون بشكل جيد الادوار المنوطة بهم بعددستور 1989.
الازمة الاقتصادية الحالية سببها منع السلطة للجزائريين من ممارسة السياسية, اي من وضع قواعد ثابتة تحكم التنافس على السلطة والتداول عليها, مراقبتها و منعها من تجاوز حدودها...
شوهد المقال 357 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك