د. نوري دريس
في حوار مع مجلة la Croix, يدافع عالم السياسة الجزائري محمد حشماوي عن اطروحة مفادها ان الاجهزة الامنية( المخابرات) هي من يقف وراء الحراك الشعبي, و من بين الحجج التي رصدها للدفاع عن هذه الاطروحة هو زعمه ب " غياب المطالب الاجتماعية و المطالب بالتوزيع العادل للثورة", و " عدم توجه المتظاهرين الى وزارة الدفاع و القيام باعتصام هنالك", كما يفسر سلمية الحراك بمقال كتبه نوالدين بوكروح سنة 2017, يدعوا فيه الي اسقاط نظام بوتفليقة بالسلمية" , و يسمي حشماوي نورالدين بوكروح بنبي النظام, و ما كتبه بالنبوة...
تعكس هذه الزاوية التحليلية, هوس منهجي ظل سائدا ومهيمنا في العلوم.السياسية يقوم علي مقاربة التغيير من زاوية واحدة: المؤسسات التي تهيمن عليها القوى الأمنية, وتمنح هذه النظرة للاجهزة الامنية قوة خارقة تجعلها قادرة علي مراقبة كل شي و التحكم في كل شي حيث لا مجال للصدفة !!!
ترفض هذه النظرة مقاربة التغيير من خلال المجتمع والديناميكية التي يستطيع تحريرها من داخله.
اما منهجيا, فإن العيب الذي يعتري اطروحة حشماوي, هو اعتماده علي غياب ظاهرة او فعل ما لتفسير ظاهرة اخري...فالنسبة له غياب اعتصام امام وزارة الدفاع و غياب المطالب الاجتماعية كاف لتفسير الحراك بأنه من فعل المخابرات ...
في الحقيقة العلوم الاجتماعية مصممة فقط لفهم وتفسير اسباب حدوث ظاهرة ما, و لا تستطيع الاحابة عن سبب غياب ظاهرة...لان ذلك يسقطها في المضاربة...فمثلا لا يمكن تفسير لماذا ليست هنالك ديمقراطية !!! بل يمكن فقط تفسير الاسباب التي تجعل من نظام استبدادي قادر علي الاستمرار لان سقوط نظام مستبد لا يعني بالضروري قيام نظام ديمقراطي بشكل آلي...حتي ولو ان فكرة الاستبداد تقابلها فكرة الديمقراطية نظريا, الا انه في الواقع, لا تحل الديمقراطية بمجرد سقوط نظام مستبد قائم..لانه قد يقوم نظام مستبد آخر, او قد تسقط الدولة ككل...
كان السؤال الذي يجب علي حشماوي طرحه هو ماهي اهمية اعتصام المتظاهرين امام وزارة الدفاع بالنسبة لحركة ثورية تريد بناء دولة القانون بوسيلة سلمية! وكيف نفسر غياب هذا الاعتصام في الحالة الجزائرية? و لماذا رفض المتظاهرون تقديم مطالب اجتماعية ! يمكن فقط تقديم فرضيات حول هذه التساؤلات...و يمكن ان تسأل المتظاهرين عن اهمية القيام بمثل هكذا افعال بالنسبة للديمقراطية!!! هل فعلا هذا يخدم قضيتهم ام لا!!!وما هي الاسباب التي جعلتهم يتفادون التصعيد!!!! او غير ذلك من الأسئلة...
بدل البحث عن اجابة عن هذه التساؤلات, اتخذ حشماوي من غياب هذان الفعلين حجة لتدعيم اطروحته!!! يا للمصيبة!!! لم يسبق ان استطاعت العلوم الاجتماعية ان تدعم اطروحة ما بشي غير موجود!!! او فعل لم يحدث!! او بغياب ظاهرة ما...
في الحقيقة, عرف حشماوي بتسرعه في الكتابة حول الحركات الاحتجاجية, ففي2012 , كتب مقالا في la revue francaise de science politiques ينتقد فيه البراديغم الريعي الذي يقوم علي فكرة مفادها ان الريع يعيق عملية الانتقال الديمقراطي,
La rente entrave-t-elle vraiment la démocratie ?
Réexamen critique des théories de « l'État rentier » et de la « malédiction des ressources »
يدعي فيه ان ثورات الربيع العربي الناجحة( نعم اعتبرها ناجحة منذ تلك اللحظة) قد اسقطت اطروحة البراديغم الريعي ...
بغض النظر عن خلطه بين البراديغم الريعي واطروحة اخري مشابهة لها لكنها مختلفة وغير مؤسسة بعد ( لعنة الموارد الطبيعية) , فان حشماوي لم يصبر حتي تنضج تلك الثورات التي انطلق منها مبكرا و مستعجلا لنقد اطروحة البراديغم الريعي
للاسف, لم يتعلم حشماوي من اخطاءه, بل لم يتجاوز حتي تناقضاته...فالحجج التي اعتمدها للقول ان الثورات العربية نجحت, عكسها في الحالة الجزائرية و اهملها تماما..استعجل في القول ان الثورات الربيع العربي نجحت, و استعجل في الجزائر للقول بان الحراك فشل و لم يغير شي و ان المخابرات هي من حركه, وراح يبحث عن حجج بأثر بعدي لتدعيم رأيه, ولم يجد الا التساءل لماذا لم يحدث كذا وكذا في الحراك!!!!
نص الحوار :
https://www.la-croix.com/amp/1201079654
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك