د. رضوان بوجمعة
الجزائر الجديدة 160
تدخل الثورة السلمية عامها الثاني، الأسبوع القادم، وهي باقية ومستمرة، واضحة في رؤيتها، وسلمية وذكية في أدواتها، ووطنية في جغرافيتها وعقيدتها، ومتنوعة في تركيبتها الديموغرافية والاجتماعية والفكرية، ورافضة لكل محاولات ركوبها ممن تلوثوا بأجهزة المنظومة وريوعها ومناوراتها.
تستمر الثورة وهي لازالت تواجه كل المناورات والتلاعبات بهتاف جديد يحمل رسالة الاستمرار والإصرار عليه، حيث بدأ شباب مواقع التواصل الاجتماعي الترويج له "ماراناش حابسين عام كامل واحنا خارجين".
ومن جهة أخرى لازالت السلطة في ممارساتها القديمة وصورها القبيحة، تحلم بسياسة الاستنزاف والاحتواء تارة وبسياسة "البقرة المرضعة" لزبانيتها وممن يحلمون بذلك من الثوراجيين.
في مثل هذا الوقت من السنة الماضية، كانت هذه المنظومة بمختلف واجهاتها السياسية والإعلامية والنقابية والجمعياتية... تتحدث عن مؤامرة تقاد ضد الجزائر، للترويج بان استمرارية بوتفليقة في الحكم هي عنوان الاستقرار وضمان حمايتها من كل المخاطر، وشخص "بوتفليقة هو مرادف للسلم والإنجازات والاستقرار والازدهار".
التنظيمات الطلابية ومدراء الإعلام: من عبادة "عبد العزيز" إلى تمجيد "عبد المجيد"
هذه الدعاية قادها مدراء أجهزة إعلامية وقادة أجهزة حزبية وجمعياتية بعضهم في السجون، والكثير منهم يمارسون الدور نفسه مع الوافد من حزب الإدارة إلى قصر المرادية، بل إن بعض مدراء هذه الأجهزة الإعلامية عادت حنفيات الريع الإشهاري العمومي لترضعهم، ودون انقطاع، من وكالة الإشهار العمومي بأوامر الأجهزة التي تسير الأمر نفسه منذ تسعينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا. كما أن خامسة بوتفليقة التي نسفها الشعب الجزائري، قادتها أكثر من 10 تنظيمات طلابية يتم تمويلها من المال العام وكانت كلها تقول "الحركة الطلابية مع الاستمرارية"، وهي اليوم مصطفة وراء تبون وعاد قادتها إلى الجامعة هذه الأيام بالعنجهية ذاتها التي كانوا عليها في عهد بوتفليقة، حيث يحظون بكل تسهيلات الإدارة الجامعية من رؤساء الجامعات وعمداء الكليات لتنظيم استعراضاتهم التي تصب في "الدعاية لشخص تبون وسياسته المجيدة"، وخرجت هذه التنظيمات في أكثر من جامعة داخلية ومن باب "الاحتفال باليوم الوطني للشهيد" لتمجد عبد المجيد بعد أن عبدت عبد العزيز، بل وذهب أحد هذه التنظيمات إلى تكريم بعض مدراء الأجهزة الإعلامية الذين استفادوا من عهد بوتفليقة، والذين يقودون حملة تشويه منظمة ضد ثورة الشعب، بحملات كراهية حاملة للكثير من الجهوية والعنصرية، وهي جزء من استراتيجية سلطة تستدعي العصبيات للاستمرار في إعادة إنتاج المنظومة من خلال تغذية هذه الخطابات لصياغة توافقات وهمية مع أشخاص يتم تنصيبهم على أنهم ممثلي مناطق وجهات، رغم أن الشعب يقول وبوضوح إنه يرفض أن يحول إلى قبائل وعشائر وزمر، وبأنه يسعى لبناء دولة الحق والقانون، دولة المواطنين والمواطنات، دولة لكل الجزائريين والجزائريات، دولة تدخل إلى ممارسة السياسة بمنظومة شفافة تبنى على المساءلة والأخلاقيات، دولة تبني المؤسسات التي تصنع القرارات داخل المؤسسات وليس خارجها.
وبالرغم من استمرار الأمة في ثورتها السلمية، عاما كاملا، وهو ما لم يحدث حتى مع ثورة غاندي، تواصل السلطة المرضعة لشبكاتها وأذرعها الحزبية والنقابية والجمعياتية والإعلامية... في الكذب والتضليل والتسويف... وهي ماضية في انتحارها لأنها فاقدة للبصر والبصيرة. فبعد أن فرضت تبون في قصر المرادية باقتراع سريالي كان يهرب فيه المرشحون من الناخبين، تحاول اليوم تضليل الرأي العام بالدخول في العهد الجديد تحت سلطة "المجيد".
وبالرغم من بروز إفلاس شامل لسياسة السلطة المرضعة لشبكاتها وأذرعها، إلا أن عمقها الاستراتيجي لا يزال يعمل على إجهاض أي تحول ديمقراطي، لأن هذا التحول سيؤدي إلى إخراج ما تبقى من سلط الظل إلى الواجهة، رغم أن مؤشرات نهاية المنظومة واضحة للعيان وأحد أهم مؤشراتها هو وجود تبون في حد ذاته في قصر المرادية، هذا الموظف السياسي الذي تخرج من مدرسة الإدارة وضمن ترقيته الإدارية بفضل شبكات العربي بلخير وبوعلام بسايح، وهي الشبكات التي صنعت وخدمت ما يسميه مقيم المرادية بالعهد البائد.. شبكات لم تضع لتبون في مسار ترقيته أكثر من الاستوزار على أقصى تقدير، لأن الرجل يعرف هو بنفسه أن السماء السابعة قد تكون أقرب إليه من السياسة وفنونها.
الثورة في مواجهة الرسكلة وتوظيف الزبائنية الجديدة
الثورة السلمية في سنتها الثانية ستواجه عدة تحديات، أبرزها الطموحات الشخصية لمن يعتقدون أن تغيير الأسماء في البرلمان سيجعل منه مؤسسة تشريعية ورقابية، وفي هذا ستتحالف السلطة مع أذرعها الإعلامية والحزبية ومن مختلف الاتجاهات لرسكلة وتجديد الواجهات على المستوى الوطني والمحلي، وهي تحديات كبيرة.. لكن الأمة المبدعة ستعرف كيف تجد أساليب النضال لإفشال كل محاولات إعادة إنتاج منظومة مفلسة أنتجت سلطة مرضعة وفاسدة، وستتغذى هذه الثورة السلمية في سنتها الثانية من تناقضات شبكات السلطة الغارقة كلها في الفساد، ولذلك ودون أي تردد، يمكن القول إن القطيعة مع هذه المنظومة واستمرار الثورة السلمية هي الضمان الوحيد لإنقاذ الوجود القانوني والسياسي والجغرافي للجزائر، لأن إعادة إنتاج المنظومة ذاتها سيكون مؤكدا تدميرا للبلد المقبل على الاستدانة الخارجية بداية من السنة القادمة - على أقصى تقدير - وهو مكبل بسلطة ضعيفة، ومنظومة هشة ورديئة تستقطب زبانيتها استقطابا ثم تأكلهم كما تاكل النار الحطب، لأن ما يسكنها هو الخلود في السلطة وممارسة السلطة خارج المؤسسات وخارج القانون، دون حسيب ولا رقيب.
كل عام والثورة بخير، رغم أن الحرية نضال يومي، ويوم 22 فيفري من السنة الماضية كان يوما لانتزاع حق صودر منذ عشريات من الزمن وهو الحق في التظاهر الذي ينص عليه الدستور والقوانين، لكن المنظومة التي تسير خارج الدستور كانت تحضر لفرض الخامسة لشخص نرجسي ومقعد يحب السلطة ويكره الجزائر، شخص حول بعنجهيته وكراهيته وقصور أفقه حتى قائد الجيش إلى عون من أعوان حملة الاستمرارية، لولا نهضة الأمة التي عرت كل الأجهزة دون استثناء، وهي تتطلع اليوم لإنقاذ الجزائر مما فعلته بها منظومة أنتجت بوتفليقة وأويحيى وسلال وتبون.. وغيرهم من رجال السلطة الذين لا يفكرون بمنطق الدولة، لأنهم باختصار نتاج السلطة المرضعة التي تكره الأمة المبدعة والحرة، لأنها وبكل اختصار تشكل "نقيض الدولة".
الجزائر في 20 فيفري 2020
تحرير وتصوير رضوان بوجمعة
التعليقات (1 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك