د. رضوان بوجمعة
الجزائر الجديدة 153
تمر سنة كاملة على نهضة الأمة الجزائرية وتحركها ضد السيناريو الانتحاري الذي كانت تسير عليه الجزائر.. سيناريو زمر وعصب وشبكات أرادت فرض عهدة خامسة لرئيس مريض ومقعد، وعصب أخرى أرادت اختصار الصراع على شخص بوتفليقة، بالدفع إلى ترشح الجنرال علي لغديري.
في مثل هذا الوقت من السنة الماضية، كانت أحزاب ما يسمى بالتحالف الرئاسي وجمعيات اغتنت وموّلت قياداتها من المال العام، تحتل المشهد السياسي، حيث كانت كانت القيادات تجهز لتجمع القاعة البيضاوية الذي حضرته كل قيادات الأفالان وكل وجوه السلطة بمن فيهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، مع استمرار خطابات قائد الأركان الراحل في دعم مشروع الاستمرارية.
تسونامي لغديري ومفاوضات مقري ومقاطعة العسكري...
ومقابل هذا كانت شبكات وعصب السلطة الأخرى تضخم خرجة علي لغديري في جريدة "ليبرتي"، الذي كان يقول إنه "يعول على تسونامي شعبي يوصله إلى قصر المرادية"، هو الذي حظي بدعم شبكات اسعد ربراب وتوفيق مدين والكثير من الصحفيين والناشرين والعسكريين الذين أيدوا كل سياسات السلطة في تسعينيات القرن الماضي باسم إنقاذ الجمهورية وغيرها من الشعارات.
وفي ذلك الوقت كذلك، خرج عبد الرزاق مقري ليعلن عن فشل تفاوضه مع شقيق الرئيس لتمرير مشروع التمديد، قائلا ودون خجل للجزائريين والجزائريات "مبروك عليكم العهدة الخامسة"، وفي إطار حسابات البولتيك قرأ العديد من الملاحظين أن الأفافاس بقيادة علي العسكري وشريفي دفع لسرعة الإعلان عن المقاطعة، لأنها كانت تخدم وبكل المقاييس أجندة شبكات بوتفليقة لمنع العصب الأخرى من الاستثمار في شبكات سعيد سعدي وربراب لتأييد علي لغديري، وهو ما اعتبر انحرافا من الناحية التاريخية لخط الراحل حسين أيت أحمد الذي كان يرفض الدخول في لعبة العصب التي تضعف الدولة وتكسر الأحزاب وتدمر المجتمع.
وسائل الإعلام كانت كلها مع العهدة الخامسة ودون أدنى استثناء وبقيت على خيارها، ما عدا جريدني "الوطن" و"ليبرتي"، فالأولى غير بعيدة عن العصب التي دفعت لغديري للترشح، والثانية تابعة لربراب الذي كان قد أعطى للغديري مقرا يحتضن إدارة حملته، ولذلك عملت الصحيفتين على تضخيم خرجات علي لغديري وحاولت النفخ في الحراك في هذا الاتجاه.
"معارضة" تأجيج الصراعات وخلق الخلافات
تحرك الأمة الجزائرية في منتصف فيفري مع تصاعد الاحتجاجات في مدرجات الملاعب، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، خرج الجزائريون والجزائريات بالملايين، ومع الخروج الأول، تعرى الإعلام وتعرت الطبقة السياسية التي لم تستطع فهم ما كان يحدث في الشارع، وبدأت المناورات والمساومات والاجتماعات في الغرف المظلمة، وانطلقت مع منتصف مارس محاولات اختراق الحراك من السلطة الفعلية بغية توجيه المظاهرات ضد شخص بوتفليقة وليس ضد كل المنظومة، ومعها بدأ الاعلام يتحدث عن "النظام السابق" بعد إقالة أو استقالة بوتفليقة، رغم أن بوتفليقة ذهب وبقي نظامه، ثم بدأت مرحلة أخرى لممارسة الحرب ضد الحراك بتسميات مختلفة، من اختلاق مشكل "الفراغ الدستوري" الذي لم يكن للشعب أية مسؤولية فيه، إلى "اختلاق إشكالية الراية والأمازيغية"، إلى الحديث عن المطالب الجهوية والفئوية، إلى "تخوين مؤتمر الصومام" و"اتفاقيات ايفيان"، وهي الحملة التي ساهمت فيها "المعارضة" من خلال تغذيتها في هذا الاتجاه أو ذاك، فالمخونون والمدافعون على حد سواء خدموا المنظومة، لأنهم كانوا يعطون للسلطة أدوات تأجيج نقاش فارغ لا يرجى منه إلا الضغط على الشعب لدخول بيوته، وتحويله عن مطلبه الأساسي وهو التغيير الشامل للنظام.
بعد سنة تقريبا، ماذا يحدث؟
أولا فرض عبد المجيد تبون الذي كان من دعاة الخامسة في قصر المرادية عبر انتخابات دون ناخبين وبحملة انتخابية كان المترشحون يهربون فيها من الناخبين، ولأول مرة منذ الاستقلال حملة انتخابية لم يدخل فيها أي مترشح ولايتين من ولايات الجزائر، وهو ما سيكتبه التاريخ ولن ينساه، لأنها وبكل المقاييس خطأ سياسي جسيم يمكن ببساطة أن يتهم فيه كل المترشحين بتهديد الوحدة الوطنية وخدمة أجندة لعزل منطقة جغرافية عن الجزائر.
البديل الديمقراطي والقيادات المتاجرة بالإسلام: "الثنائية القاتلة"
الصورة اليوم، هي استمرار هذه "المعارضة" الكارطونية التي لم تؤمن بالشعب والتي كانت لا تتردد الكثير من قياداتها بنعته ب "الغاشي"، وبإنكار حقه في تأسيس دولته وفي اختيار من يحكمه بكل حرية، ولذلك تتدخل هذه القيادات التي لا تعرف المجتمع، بدليل أنها لا تملك الحد الأدنى من الأدوات التي تمكنها من أن تفهم ما يحدث في المجتمع منذ سنة كاملة، ولذلك ومنذ فرض تبون في الرئاسة تتسارع هذه القيادات الحزبية لإعادة خطاباتها المؤدلجة واصطفافها الأيديولوجي الفارغ، بين قيطو "البديل الديمقراطي" الذي لا يزال الكثير من قياداته لا يجدون حرجا في تبرير انقلاب جانفي 92، والمجازر التي تسبب فيها، وإنكار حق الشعب في اختيار المشروع السياسي الذي يحكمه، وبين تصريحات مقري التي تحدث فيها عن حراك مخترق وانحرف بالمطالب الفئوية والجهوية والعنصرية، وعبد الله جاب الله الذي خرج ليشرح شعار "دولة مدنية ماشي عسكرية" ووصفه ؟؟؟؟؟؟ ب "الشعار المسموم"، ووصفه هو ب "الشعار العلماني المفروض من فرنسا"، وهو الذي لا يعرف أن هذا الشعار ينطلق من المساجد والميادين والملاعب ومن كل الفضاءات بتنوعها الجنسي والجغرافي واللغوي والجيلي.
الصورة اليوم كذلك، أن لغديري في السجن، وجزء من مدراء المؤسسات الإعلامية التي ساندته التحقت بصف المؤيدين لساكن قصر المرادية، كما أن مدير الاتصال في حملته تحول إلى مستشار عند وزيرة الثقافة، ومدير حملته أصبح وزيرا للصناعة، واسعد ربراب أطلق سراحه بعد اعتقاله وبدأ يحضر لتغيير خط جريدته في انتظار مؤشرات أخرى عن تفاوض يحدث بين مختلف الزمر في محاولة لبعث الحياة في نظام ميت، بأحزاب تمارس المعارضة نهارا وتتفاوض ليلا، وهي تعمل مع كل أذرع السلطة، السياسية والإعلامية والاقتصادية والنقابية على كسر ثورة شعبية سلمية تريد تغيير منظومة الحكم التي أصبحت تهدد بتفكيك ما تبقى من الدولة، كما أنه بدأت تبرز بعض الوجوه التي تتحدث عن مرافقة الحراك في محاولة لعرض خدماتها على الأجهزة مقابل الاستفادة من الامتيازات ، رغم أن الأمة أعطت طوال السنة دروسا تؤكد أن الملايين التي تستثمر في استثمار الميادين قادرة على مواصلة كفاحها من أجل الوصول إلى تغيير شامل لبناء الجزائر الجديدة، التي تعني القطيعة النهائية مع سلطة رديئة ومترهلة أصبحت ضد الدولة و"معارضة" كارطونية تخلق الخلافات لأنها تقتات منها ومن "الكوطات" الانتخابية، وببساطة لأنها في خدمة المنظومة ورهينة الأجهزة التي صنعتها.
الجزائر في 2 فيفري 2020
تحرير وتصوير رضوان بوجمعة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك