خليفة عبد القادر ـ حراك الجنوب ضمن الحراك الوطني
بواسطة 2019-02-24 16:17:15

أ.د خليفة عبد القادر*
منذ عشريات عديدة عودنا أهلنا في الجنوب الجزائري على تصاعد حركية مطلبية اجتماعية طبعت مدن الصحراء الجزائرية ارتبطت دوما بقضايا محلية كالشغل والتنمية والمشاركة في شكل احتجاجات دورية ، تراوحت من العفوي العنيف أحيانا (2004) إلى السلمي المؤطر والمنظم نسبيا
هذا الحراك تميزت به مدينة ورقلة بالخصوص التي حازت المرتبة الاولى وطنيا عدة سنوات في عدد الاحتجاجات مما يدل على تنامي مجتمع ديناميكي تجاوب مع الديناميكية العمرانية والتنموية التي شهدتها مدن الجنوب في العشريات الأخيرة .
الحراك في تحليل محتواه وخطابه طيلة السنوات الفارطة لم يتجاوز الهاجس المحلي المطبوع دوما بمعضلة التشغيل والمضمخ برائحة النفط وإستجداء الريع، وقضايا التنمية المحلية والسكن وتوزيع أراضي البناء ، أقصى ما وصل إليه تلك الهبة الجماعية في عز الصيف الماضي تعبيرا عن رفض تنظيم حفلات ترفيهية من طرف السلطات المحلية لتخفيف جو الحر و"القنطة" وكان الاحتجاج " المنظم" بالصلاة الجماعية أمام مسرح الهواء الطلق، الصلاة التي اشتهرت وطنيا وكثرت حولها التأويلات.
في ظل غياب أو تغييب (ما يسمى المجتمع المدني) أفرز الحراك قيادات شابة جديدة من راكبي موجات الاحتجاج ومغامرين ومغمورين وبعض المثقفين و الجامعيين(حراك الغاز الصخري) . مع تفضيل القيادات التقليدية الطرقية والزعامات القبلية والنخب المدرسية النأي بنفسها عن الاكتواء بناره مفضلة التدخل احيانا لتهدئة الأوضاع، لأن النخب التقليدية المحلية فضلت التموقع ولزمن طويل خلف المؤسسسات الرسمية في طابعها الإداري والحزبي لضمان استمراريتها الهشة في ظل نظام بيروقراطي مركزي معقد تحتمي به ويحتمي بها .
غياب نخبوي تقليدي كان في صالح تنامي فئات اجتماعية شابة جديدة فاعلة ذكية متأقلمة ديناميكية أفرزتها نكبات التهميش والتسرب المدرسي والنسيان من التنمية الشاملة ، إضافة إلى مآسي اباءها الماضية في الغربة الحضرية في بيئة هي في الأصل للبدو والبادية بقيمها وعاداتها وتطوراتها ومهاراتها واخلاقها وفضاءاتها. تم طحنها بغير أسف في صالح مدينية إما إستعمارية في بدايات التوسع الاستعماري الفرنسي في الصحراء الجزائرية ثم وللأسف وطنية شمولية لم تراع للخصوصيات الاجتماعية الثقافية أدنى اعتبار.
إن قدر الحراك في الجنوب الجزائري اليوم في مفترق أثبتته نوعية الوقفة الأخيرة في 22 فيفري لرفض العهدة الخامسة الاحتجاج السياسي بامتياز، فرض على سكان الجنوب خطابا جديدا قد يكون محرجا نوعا ما لأن الجنوب مطلبي ولا يثور ضد المركز في تاريخه، خطاب وأسلوب سياسي جديد قد يتفطن إلى اهميته مؤطرو الحراك ليختارو. بين أن يواصل مسلسل المطالب اللامنتهي أو بين أن يؤسس لرؤيا سياسية وطنية حكيمة من خلالها يتحول من المطالب إلى مشارك فعلي في صياغة مستقبل الأجيال الجزائرية جمعاء .
*جامعة ورقلة
أستاذ الانثروبولوجيا وعلم الإجتماع
شوهد المقال 1089 مرة
التعليقات (3 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك