وليد عبد الحي - غواية التحليل السياسي " استشراف مهم "
بواسطة 2015-09-13 23:28:57

أ.د . وليد عبد الحي
فرق كبير بين الاستراتيجي وبين باحث الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية، فالأول له هدف مستقبلي محدد مسبقا يعمل على انجازه، ويبحث في أدوات الانجاز ومعوقاته واحتمالاته ...الخ، أما الباحث المستقبلي فهو متحرر من "الهدف السياسي المحدد " مسبقا، فهو له هدف معرفي، وكلما تحرر من الهدف السياسي كلما كان أقرب لروح العلم ،كما أن الزمن هو الكفيل بكشف مدى صدق تنبؤاته العلمية، وبعد ان يصل لنتيجته التي يعتقد أنها علمية يأتي دور الاستراتيجي ليقرر ما إذا كانت هذه النتيجة تخدمه أم لا.
فعندما قلت عام 2011 في عدد من البحوث والندوات( في عمان واستانبول وتونس وقطر وفي قناة الجزيرة ونشرت بحوثا حول ذلك) بأن الرئيس السوري لن يسقط خلال السنوات الخمس القادمة(من 2011-2016) لا يعني أنني بعثي أو منحاز له او منحاز ضده..وعندما قلت قبل ثماني سنوات أن إيران لن تضرب وستتوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة فهذا لا يعني أنني اريد ضربها أو لا اريد...وعندما قلت عام 1994 بان النظام الراسمالي سيواجه ازمة مالية كبرى عام 2007، فلم اكن اتمنى أو أشتهي...وعندما قلت أن غورباتشوف في عام 1986 سيقود الدولة السوفييتية للتفكك لم أكن راسماليا أو " مندسا" يعمل ضد اليسار العربي أو الدولي...وعندما قلت في بداية الربيع العربي بأنه سينتهي لتناحر دموي وفوضى لا يضبطها ضابط وستسيطر عليه حركات التطرف الديني لم أكن أروج معلومات زودتني بها سلطة معادية أو غير ذلك....وعندما قلت عام 2005 بأن الراي العام الأوروبي يتغير تدريجيا ولو ببطء شديد ضد إسرائيل وأن هذا التغير سيستمر ولو بتذبذب عسير بدأ مركز الزيتونة في بيروت في إدماج ذلك في تقريره السنوي، ولم أكن أروج لأخلاق المجتمع الأوروبي، وعندما قلت عام 2005 و عام 2012 بأن الحركات الإسلامية ستعرف انتكاسة خلال الفترة من 2020-2025 فلا يعني أنني اكره الإسلاميين أو أحبهم... كل ذلك اجتهاد في نطاق الدراسات المستقبلية التي يمكن ان تقع في الخطأ كذلك(وهو ما حدث معي مرارا)، فالظاهرة الاجتماعية والسياسية ظاهرة لعوب فيها من الغواية الكثير...
لكن البعض يريد مني أن أتنبأ استنادا لرغباته، كأهل المريض الذين ينتظرون من الطبيب أخبارا سارة وإلا فإن الطبيب لا يفهم، أو كالفلاح الذي يريد من الراصد الجوي ان يخبره عن طقس يريده لزراعته ،والأدهى أن البعض يسالني ما مستقبل روسيا أو امريكا أو اسرائيل، وكأنني فقط أقوم بقلب فنجان القهوة لقراءة طالع هذه الدولة أو تلك..بينما أخذت مني دراسة ايران 19 شهرا بواقع 8 ساعات يوميا، وانتهيت لحوالي أكثر من ستمائة صفحة فيها حوالي عشرة جداول هي خلاصة لما مجموعه الف وخمسمائة وستين جدولا بنيتها استنادا لنماذج تقنيات الدراسة المستقبلية...
أتمنى أن نميز بين الاستراتيجي وبين الباحث المستقبلي ، فهما يتقاطعان في عملهما لكنهما يختلفان تماما في منهجيتهما..وأحاول في حدود كفايتي العلمية ان أحدد اتجاهات الظواهر ..وما أنا إلا طالب علوم سياسية ازعم انه مجتهد في عمله...وأعتقد انني تدربت بقدر معقول على "لجم" شيطاني وغواياته...وأتعلم من أخطائي وهي كثيرة...وعندما أقول موقفي من قضية معينة فلا أتهيب من ذلك، ولكن عندما ابحث في "مستقبل" ظاهرة معنية يأخذ المنحى مسارا مختلفا .
شوهد المقال 1924 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك