أحمد سعداوي - الحرمان من الادراك
بواسطة 2015-08-19 01:34:34

أحمد سعداوي
الأكثر ثباتا في سلوك الإنسان هو جنوحه/ نزعته نحو الخضوع والعبودية. توجد عبر كل الأزمنة أكثرية تضطهدها أقلية لا يمكن أن تنجح في ذلك بغير موافقة الأولى. من المؤكد أنه كان ثمة انتفاضات وهياج شعبي وعصيان وتمرد وحتى ثورات لكن القمع كان دائما ما يعاد إلى نصابه. وغالبا ما يتم ذلك عن طريق عنف المحررين الذين يستحوذون بواسطة معارضتهم للسلطة على وسائل السلطة من مؤسسات، عسكر، بوليس/ شرطة وكل ما يرمز بالضبط إلى الأشياء التي يجب هدمها لتغيير النظام الاجتماعي. والحال أنه أصبح مجتاحا من طرف الإعلام، فإن مجتمعنا صار يسمح بالحلم بسلطة، هي دون أن تخسر شيئا من طبيعتها القمعية تقرر العدول عن العنف لأنها لم تعد ضرورية للهيمنة إطلاقا. لم يعد ثمة لزوم فعلا للاضطهاد والإخضاع بواسطة القوة بما أنه يكفي أن تستحوذ على العينين كي تتحكم بالعقل وبالتالي بمكان الرفض المحتمل. كانت أنفاس الأنظمة القديمة تنقطع من أجل المنع والتفتيش والتحقيق والمراقبة دون أن تنجح في السيطرة على مكان التفكير وقهره، ذاك الذي يقدر دائما على الاشتغال بصمت وسكون ضدها. السلطة الحالية تقدر على احتلال مكان التفكير ذاك دون أن تستعمل أي إجبار مهما كان ضئيلا: إذ يكفي أن تجعل الحرمان من الإدراك يشتغل، ينفذ ويؤثر. ومحروما من الإدراك والإحساس يتزحلق الإنسان بصفة طبيعية نحو الرضا بالعبودية والقبول بالاستسلام.
.
*الروائي والمفكر الفرنسي برنار نويل.
شوهد المقال 1349 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك