وليد عبد الحي - ايران والعرب بعد الاتفاق النووي
بواسطة 2015-08-19 01:05:03

أ.د. وليد عبد الحي
تبدأ الدراسة الصادرة مؤخرا عن (Harvard Kennedy School- Harvard University’s Belfer Center for Science and International Affairs) بالإشارة المباشرة إلى أن الدور الإيراني أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى بعد الاتفاق النووي مع الدول الكبرى( صفحة vi )، (,) و تحت عنوان (Iran and the Arab World after the Nuclear Deal: Rivalry and Engagement in a New Era,) ، تتناول الدراسة الصادرة في اغسطس 2015، انعكاسات الاتفاق على العلاقات الإيرانية العربية بخاصة المشرق العربي.
وتبدأ الدراسة بفرضية مركزية هي " مركزية العلاقات الإيرانية السعودية في تحديد الاتجاه العام في المنطقة" كما يرد في مقدمة الدراسة، كما ترى أن سياسة أوباما هي تطويق الصراع "الطائفي الذي قد يحرق الجميع".كما يشير أوباما إلى ان نسبة كبيرة من "الجهاديين" هم من السنة العرب، وهو ما يعني أن لا يقع اللوم كله على إيران.(صفحة 2).
وتستعرض الدراسة رأي 15 خبيرا عربيا في الموضوع حول نقطتين هما : تداعيات الاتفاق النووي على السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة العربية، وتأثير الاتفاق على البنية الأمنية للإقليم، وتتضح من الدراسة أن الاتجاه العام بين الخبراء العرب(من صفحة 38-74) أن الاتفاق يمثل إما " مكسب واضح لإيران أو أنه مفيد لها بشكل أو ىآخر،، بينما تباينت أسباب عقد الاتفاق ،فهناك من يرى أنه نتيجة للحصار الاقتصادي لإيران ، او التغير في النخبة الحاكمة في إيران بخاصة مع وصول روحاني للسلطة ، او لرغبة أوباما في تخفيف التوتر لا سيما بسبب السياسة الإسرائيلية في المنطقة.
ويشير تحليل الدراسة إلى تباين الاراء بين الخبراء حول ما إذا كان الاتفاق سيعزز انتشار البرامج النووية او يقلصها في المنطقة( صفحة 6-7) ، فهناك من يرى أن الاتفاق سيفتح المجال لتعزيز النزعة الاقتصادية والتطور في إيران مما يدفعها نحو مزيد من النزعة التصالحية، بينما رأى تيار آخر ان التطور الاقتصادي سيعزز النفوذ الإيراني في المنطقة وسيزيد من نزعة توسيع النفوذ لديها.
ويميل أغلب الباحثين العرب إلى ان المدى القصير سيعرف توترا عاليا في العلاقات العربية الإيرانية ثم يميل للهدوء، مع إشارة البعض إلى ان الاتفاق جعل ميزان القوى يميل لصالح إيران لا سيما مع الضعف في بنية الدول العربية لا سيما في المراحل الحالية، إضافة لتزايد الشكوك بين العرب بخصوص السياسة الأمريكية(صفحات 8-9). ويميل بعض الباحثين لتشجيع الحوار العربي الإيراني.
يميل أغلب الخبراء العرب نحو تزايد التنافس والتوتر في المنطقة العربية مع إيران، ويعود ذلك لا للاتفاق النووي مباشرة بل للضعف في بنية الدول العربية وحالة الفراغ الناتجة عن ذلك في بنية الإقليم.(صفحة 11-12)، ويميل البعض لاحتمال التقارب السعودي التركي للموازنة مع الدور الإيراني.
وتتمثل الاستراتيجية الامريكية – طبقا للدراسة- في دفع إيران بعيدا عن خيار امتلاك السلاح النووي من خلال إدماجها في الاقتصاد العالمي بشكل يعزز نزعة الاعتدال فيها، وتتمثل عوامل الاعتدال في السياسة الإيرانية في عدد من المؤشرات مثل : تحول في بنية النخبة الحاكمة( على غرار مجيء روحاني)، و تراجع الخطر على إيران بعد التحولات في السياسات الامريكية ، إلى جانب ربط إيران بمزيد من شبكات الاقتصاد العالمي .
و تراهن الدراسة ان تشجيع التيار المعتدل قد يقود لتعزيز مكانة المعتدلين في الانتخابات البرلمانية القادمة في 2016 ، وانتخابات مجلس الخبراء(الذي يختار خليفة المرشد الاعلى) ، كما أن تنامي مكانة المعتدلين في إيران بفعل العوامل السابقة سيقود لتغير في توجهات إيران الإقليمية بخاصة مع الدول العربية وبالتالي التحلل التدريجي من الترابط مع سوريا وحزب الله والتيارات المماثلة.
بالمقابل هناك عوامل تسير في الاتجاه المعاكس لما سبق، أي الدفع نحو التشدد مثل:1- تراخي التحالف الغربي ضد إيران يعزز نزعة التيار المتشدد ،2- تنامي النقاط المشتركة مع بعض الدول الغربية لا سيما في المجال الاقليمي، 3- قوة اجهزة الامن الإيرانية ووجود قدر هام من المساندة الشعبية لها، 4- تصاعد العلاقات الاقتصادية مع دول غير غربية مثل روسيا والصين وغيرهما من الاقتصاديات الناشئة،5- استفادة إيران من تجربة السنين الماضية في وضع خطط تقلل من نقاط ضعفها،6- الاضطراب الإقليمي يبقي القلق الإيراني. 7- ان احتمال التطور الاقتصادي في إيران برفع الحصار قد ينتهي لصالح القوى المتشددة مما يعزز مكانتها على حساب المعتدلين،
و بغض النظر عن التيار الاكثر استفادة من الاتفاق بين التيارات الايرانية الداخلية، فسيكون توجه خامنئي هو تعزيز وترويج فكرة انتصار ايران في الاتفاق.
أما السياسة الامريكية ،فإن ازمة الاستراتيجية الامريكية- طبقا للدراسة- هي ان كل اقتراب من إيران يعزز القلق العربي، بينما الابتعاد عن إيران يعزز الشكوك الايرانية في الولايات المتحدة وهو ما يعزز دور المتشددين ويخلق مزيدا من التوتر في المنطقة ، وهنا تكمن معضلة الولايات المتحدة الاستراتيجية وهي كيفية التوفيق بين النظرتين
اما مواقف الدول العربية من الاتفاق، فالدراسة تقوم بتقسيم المواقف العربية لثلاث محاور: محور الكتلة السعودية المتشائمة(دول الخليج والمغرب والاردن وبعض القوى في اليمن)، محور المتفائلين(سوريا والعراق وقوى يمنية ولبنانية"، محور "الطريق الثالث" ويضم مصر والسودان ودول الشمال الافريقي باستثناء المغرب.
فالتيار الاول(المتشائم) يدعو ل:تفكيك البرنامج النووي الايراني+ استمرار حظر بيع السلاح لايران+ معالجة الموقف الايراني في القضايا الاقليمية، وهذا التيار فيه تباين في حدة مواقفهم فالكويت وقطر(بفعل الضغط الامريكي) هو اقل حدة من الموقف السعودي ، اما التيار الثاني فيؤيد الاتفاق على اعتبار انه يحرر ايران من القيود والحصار..الخ، اما التيار الثالث وتبرز فيه مصر والحزائر،فمصر ترى ان الاتفاق جيد وان ايران لا تشكل الخطر الذي تتبناه السعودية ناهيك عن دور ايران وسوريا في قتال داعش.وهناك درجة من التباين بين السعودية ومصر التي تتبنى موقفا براغماتيا مدفوعا بالحاجة الاقتصادية والجري على استقلالية القرار المصري في المحاور العربية.
وعند النظر في توجهات الدراسة ومضمانيها يمكنني القول:
1- ان الدراسة تفتقد التمثيل المتوازن للباحثين الذي يعكسون وجهات النظر المختلفة بل وينتمون لمؤسسات لها موقف متقارب- إلى حد ما - من موضوع الدراسة.
2- الدراسة أقرب لاستطلاع الرأي منها للدراسة المعمقة، رغم ان فيها لمحات عميقة أحيانا من التحليل .
3- رغم ترجيح الدراسة احتمالات تصاعد التوتر في العلاقات العربية الإيرانية بخاصة على المدى القصير، لكني أعتقد أن الاستنتاجات هي ذات طابع حدسي(intuitive) ، وهي اضعف تقنيات الدراسة المستقبلية.
شوهد المقال 1956 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك