شعلان شريف
النظام السياسي في العراق مدني (نظرياً) لكن حضور "الدين" في المشهد السياسي أقوى من حضور "السياسة المدنية".
كان شعار "الدولة المدنية" من بين أبرز شعارات الحراك الشعبي في الأسابيع الماضية.
لنحاول إذن الدخول في التفاصيل لمعرفة ما هو "الدينيّ" وما هو "المدنيّ" في المشهد السياسي العراقي الحاكم.
هناك مجموعة من الأحزاب والكتل التي تعتبر نفسها "إسلامية" في البرلمان والحكومة. لكن ليس جميع هذه الأحزاب "دينية" بالمعنى الدقيق.
حزب الدعوة والحزب الإسلامي (السني) هما حزبان مدنيان (هذا توصيف وليس تقييماً ولا يبرئهما من الفساد والفشل والإجرام).
حزب الدعوة تحول إلى حزب مدني منذ منتصف الثمانينات حين اختلفت قيادته "المدنية" مع فقيه الحزب آنذاك الراحل مهدي الآصفي فتخلت القيادة عن فكرة وجود فقيه مرشد للحزب.
الحزب الإسلامي هو الآخر ليس لديه مرشد ديني (معلن).
الأحزاب الشيعية الأخرى هي جماعات دينية وهو أمر سيئ لأنه يجعل الحزب السياسي يتمترس خلف القدسية المفترضة لرجل الدين وهو سيئ لأنه يمحو الحدود الفاصلة بين الأتباع الدينيين لهذا الفقيه أو ذاك وبين أتباع حزبه السياسي... وقد حصل أكثر من مرة عند انتقاد موقف سياسي لمرشد أحد هذه الأحزاب أن ينتفض أتباعه معتبرين هذا الانتقاد تجاوزاً على رمز ديني.
يمكن هنا فرز بعض التفاصيل:
المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري يتبعان شخصيتين يعتبران "رمزين دينيين" رغم أنهما لا يحملان صفة دينية فهما ليسا فقيهين .. وما يجعلهما "رمزين دينيين" هو فقط ارتداؤهما الزيّ الديني وانحدارهما من أسرتين "دينيتين". لكن النتيجة نفسها فحين يتعرض هذان الزعيمان لانتقاد على مواقفهما السياسية ينبري أتباعهما بالهجوم المضاد باعتيار النقد تجاوزاً على أسرة "آل الحكيم" أو "آل الصدر".
حزب الفضيلة ينطبق عليه تماما وصف "الحزب الدينيّ".. فهو يتلقى توجيهاته مباشرة من مرشده المرجع "اليعقوبي".. والأمثلة اكثر من أن تحصى في المواقف التي تعمد فيها هذا الحزب خلط الأوراق لمنح مواقفه السياسية حصانة دينية مفترضة.
بعض الفصائل المسلحة والتي لديها جناح سياسي (بدر - العصائب- الكتائب) شأنها اكثر تعقيداً فهي تتبع المرجعية الدينية- السياسية لمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية الفقيه علي الخامنئي.. رغم أنّ هذه الفصائل تزعم أن السيد الخامنئي هو فقط مرجع التقليد الفقهي لأعضاء التنظيمات كأفراد وأن هذه حرية دينية فردية لا علاقة لها بالسياسة.
هل يمكن الاستفادة من هذه المعطيات لإعطاء مطلب "الدولة المدنية" صيغة محددة؟ هل يمكن مطالبة زعماء الأحزاب الدينية أو شبه الدينية (المجلس- التيار- الفضيلة) بأن يتحولوا بوضوح إلى أحزاب سياسية مدنية (مثل حزب الدعوة والحزب الإسلامي) وهذا يعني أن يقطع السيدان مقتدى الصدر وعمار الحكيم والشيخ اليعقوبي علناً صلتهما بشكل كامل بهذه الأحزاب الثلاثة وهذا يعني اعتزال هؤلاء الأشخاص الثلاثة للعمل السياسي اعتزالاً فعلياً؟
أعرف أنه مطلب تعجيزي فلا أساس قانونياً له أولاً، وثانياً وهو الأهم ليس من المتوقع أبداً أن يخرج الحكيم والصدر واليعقوبي من جلودهم ويتمردوا على أنفسهم ويتنازلوا عن طموحاتهم ومكاسبهم... لكن ألا يستحق هذا المطلب أن يكون على قائمة المطالب الشعبية باستثمار الجرأة الحالية التي أطلقتها المظاهرات... وخاصة أنّ هذا المطلب يتسق مع رؤية المرجعية النجفية التقليدية التي دعت في أكثر من مناسبة تصريحا وتلميحا إلى ابتعاد رجال الدين عن العمل السياسي المباشر؟ إن الدعوة إلى هذا المطلب المحدد والواضح ستجعل الحراك "ثورياً" بالفعل وسواء تحققت نتائجه أم لا فإنه سيعيد تعريف المصطلحات ودلالاتها في الوعي الشعبي ويؤسس قاعدة لعمل مستقبلي لبناء "الدولة المدنية".
تبقى مشكلة الفصائل المسلحة وأجنجتها السياسية وعلاقتها "الدينية" بالسيد الخامنئي ... وهذه مشكلة معقدة وفوق طاقة الحراك المدنيّ.. لكن قد يبرر تأجيل طرحها أنّ دور هذه الفصائل في المشهد السياسي حتى الآن ليس بذلك الحجم الكبير قياساً بالأحزاب الثلاثة الأخرى.

https://www.facebook.com/chaalan.charif
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك