وليد عبد الحي - الطبقة الوسطى في الوطن العربي
بواسطة 2015-06-23 00:06:19

أ.ذ. وليد عبد الحي
ضمن منشورات مركز دراسات الوحدة العربية لعام 2013، صدرت دراسة أحمد موسى بدوي عن " تحولات الطبقة الوسطى في الوطن العربي"، وتنتمي هذه الدراسة إلى حقل الاقتصاد السياسي الإقليمي، وتحديدا موضوع الطبقة الوسطى التي يتفق أغلب الباحثين على أنها آحد المؤشرات السياسية والاقتصادية الهامة لفهم التحولات في المجتمعات على الصعد كافة.
وتكمن أهمية الدراسة هذه في محاولة رصد الدور السياسي والاقتصادي للطبقة الوسطى في ثلاثة نظم فرعية هي المغرب العربي والخليج وبلاد الشام، إذ لاحظ الباحث أن هناك تباينا -في دور الطبقة الوسطى - بين هذه النظم الإقليمية الفرعية من ناحية وأن دور الطبقة الوسطى تذبذت مكانته في الفترات ما قبل الاستقلال وبعده وفي فترة السبعينات من القرن الماضي وحتى الفترة الحالية بما فيها مرحلة الربيع العربي.
يقع متن الكتاب في 427 صفحة تتوزع على عشرة فصول، ترصد في اتجاهها العام التحولات الحضارية التي مرت بها الطبقة الوسطى العربية منذ الاستقلال حتى الآن، وتتم الدراسة من خلال نظرة نقدية للفكر الغربي من زاوية الموضوع الطبقي مع التركيز على ماركس وفيبر ودوركهايم وما بعدهم مثل غرامشي والتوسير منتهيا عند أنتوني جدنز. واستند الباحث في إطاره النظري إلى نماذج "غلبرت -كاهل" ونظرية أريك أولن رايت وبيير بورديو، واتكأ بقدر معين على الأدبيات العربية كدراسات حليم بركات وخلدون النقيب ومغنية الأزرق وعبد الباسط عبد المعطي..الخ.وقد قدم دراسة نقدية لأربع وعشرين دراسة عربية تناولت القضية الطبقية في المجتمع العربي وغطت الفصول الثالث والرابع .وقد انتقد الباحث تركيز الماركسية البنيوية(التوسير) على الآيديولوجيا، واقتبس من "رايت" تقسيم الطبقات إلى أكثر من 3 طبقات فرعية، وميز بين تركيز ماركس على الاستغلال في العلاقات الطبقية وبين فيبر الذي ركز على السوق من ناحية و"المكانة" التي قد تتغير بغض النظر عن البعد الطبقي. كما ناقش أفكار دوركهايم مركزا على فكرتي التضامن العضوي والتضامن الآلي، ليصل لاستنتاج هو "ان الفكر الغربي يسير في اتجاه الانتقال من الصراع الطبقي(ماركس) إلى التنافس الطبقي(فيبر) إلى التكامل الطبقي(دوركهايم)، وكنت أتمنى لو حاول الباحث تحديد دور الطبقة الوسطى في هذا الاتجاه التاريخي لبنية المجتمعات الغربية ومدى تلابسه مع متغيرات أخرى..
وقد وضع الباحث عددا من الفرضيات الخاصة بالعلاقات الطبقية والحراك الطبقي والتشكيلات الطبقية والصراع الطبقي في الفصل الخامس، لكنه لم يعتمد التقسيم التقليدي للطبقات(عليا ، وسطى ، دنيا) بل جزأ البنية الطبقية إلى ستة هي : الطبقة المركزية المتحكمة، الطبقة الوسطى المتنفذة (أصحاب الوظائف القيادية في الدولة واصحاب رؤوس الاموال)، الطبقة الوسطى المستقرة(الحاصلين على التعليم الأساس ولديهم مشاريع متوسطة)، الطبقة الوسطى الفقيرة(المتعلمون فوق خط الفقر ويمارسون مهن فنية وذهنية)،الطبقة العاملة، اللاطبقية الكادحة. وقد بنى التقسيم على اساس التقسيم الافقي(عبر العينات والمقابلات وتحليل الخطاب والادوات الإثنوغرافية)، والتقسيم العامودي(عبر المسح الاجتماعي)
وفي الفصل السادس تناول المتغيرات الديموغرافية ذات الطابع الاجتماعي مثل النمو السكاني والكثافة السكانية والتوزيع العمري والتوزيع بين الريف والحضر ومعدلات الأمية..الخ وذلك خلال الفترة من 2000-2010
وخصص الفصل السابع للطبقة العاملة خلال الفترة من 2000-2010 ،ودرس حجم الطبقة وفئات العاملين فيها(مشيرا للنساء والأطفال)، وتوزيع هذه الطبقة بين القطاعات المختلفة وقياس مؤشر البطالة.
وبعد دراسة نقدية لتأثيرات التيار النيوليبرالي في العالم العربي ، تتبع توزيع الدخل(مقياس جيني) ودور ذلك في ظاهرة الفقر.
أما الفصل التاسع فكان من نصيب الطبقة الوسطى في دول الربيع العربي لقياس دور الطبقة الوسطى في التحولات السياسية، لينتهي في الفصل الأخير لدراسة عينة من الطبقة الوسطى في دول عربية لفهم موقفها من قضايا التشكل الطبقي والصراع والعلاقات الطبقية وما ينجم عنها.وفي النتائج ربط الباحث بين توزيع الثروة والعلاقات العرقية(وليس الطبقية)، وان الطبقة الوسطى العربية عرفت تضخما في منتصف السبعينات،ثم يشير للحضور القوي للطبقة الوسطى في الربيع العربي، ثم يستعرض النتائج الخاصة بعينات الدول التي درسها وهي نتائج تتباين بين دولة واخرى.
ويلاحظ أن الباحث ربط بين الحراك الطبقي وبين تطور السمات الحضارية في المجتمع، ويرى أن الحراك الطبقي قد يأخذ شكلا جماعيا أو فرديا وفئويا، ويحاول تفسير كل حراك منها.ولاحظ من دراسته كيف أن المنطقة العربية عرفت صعودا في الحراك الوطني خلال الفترة من الستينات والسبعينات من القرن الماضي ثم الهبوط بعد ذلك.ويشير إلى كيفية سعي القوى المتحكمة لتزوير الوعي الطبقي عبر وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والأمنية، وهو ما يفسر رد فعل الطبقة الوسطى( 44,5% من المجتمع) عبر النتاج الفكري والفني الذي يغذي الوعي الطبقي.
من الجانب المنهجي ، بدأ الباحث دراسته بسؤال حول التحولات الحضارية التي مرت بها الطبقة الوسطى العربية؟ وللاجابة على ذلك ، اتبع منهجية علمية تقوم على ثلاثة اسس:
الأول هو التأصيل النظري في الأدبيات الغربية والعربية لموضوع الطبقة الوسطى من حيث كيفية تبلور هذه الطبقة ثم ما اصاب الطبقة الوسطى العربية من تحولات وارتباط تلك التحولات بالبناء الاجتماعي ككل، وقد استند في الجانب التطبيقي لدراسات عربية مشهود لكتابها في مجال الموضوع المطروح مثل حنا بطاطو(العراق) او خلدون النقيب(الخليج)...الخ مما سبق ذكره.
اما الاساس الثاني فهو الاختبار الأمبريقي للتحقق من صحة التحليل النظري، وتم ذلك من خلال إجراء مقابلات(بعد التراجع عن الاستبيان) مع عينة قصدية من الدول العربية في 3 دول عربية.
والاساس الثالث تمثل في الدراسة المقارنة لواقع الطبقة الوسطى في عدد كاف من الدول العربية مستندا في ذلك إلى مؤشرات كمية لعدد كبير من المتغيرات وتظهر في 43 جدولا،وثمانية رسوم بيانية.
ولا شك أن الباحث يقدم رصدا للطبقة الوسطى من حيث الحجم والوظيفة، لكني لم أجد مساهمات الباحث الجديدة للموضوع كافية ، بل إن رصد قائمة المراجع يشير لجهد قليل في الاطلاع على أدبيات الموضوع، إذ نجد أن هناك تسعة كتب و3 رسائل جامعية يغطي كل منها موضوع الطبقة الوسطى في دولة أو منطقة عربية، إضافة لكتاب باللغة الانجليزية عدا عن تقارير رسمية محدودة استند الباحث لها في الجانب الكمي من دراسته للمؤشرات ذات الصلة بموضوعه ، وعند الاطلاع على بعض هذه الدراسات وجدت أنها تغطي أجزاء واسعة من البحث(من حيث الموضوعات) ، كما أن الجانب النظري لدراسة الطبقات والطبقة الوسطى بشكل خاص في الدراسات الأجنبية أمر لا يمكن حصره.
ليس فيما سبق تقليل لمجهود الباحث، لكني ازعم أن معظم النتائج التي وصل لها موجودة في المراجع العربية التي اشرت لها، ولكن الباحث ربط بين هذه النتائج-في تقديري- بشكل أوثق وأكثر علمية من غيره، وهو ما أضفى صفة الشمولية على دراسته، بينما غيره إما طغى عليها الجانب السياسي أو الجانب الاقتصادي أو نظر لها من منظور علم الاجتماع، بينما أزعم أن الباحث هنا كان الأكثر توظيفا لمناهج الاقتصاد السياسي.

شوهد المقال 2137 مرة
التعليقات (1 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك