وليد عبد الحي - ربما ..كبيرة .. النخب العربية والتعامل الظرفي مع الظواهر السياسية
بواسطة 2015-06-02 22:15:29

أ. ذ . وليد عبد الحي
يبدو لي أن قطاعا-لا استطيع تقدير حجمه بدقة - من النخب العربية يتعامل مع الظواهر السياسية تعاملا "ظرفيا"، بمعنى أنه يقطع الظاهرة عن تعرجات حركتها التاريخية، ويلتقط فترة ما ويسقط حركيتها على التاريخ كله، فيكون شأنه شأن الذي يقف في وسط الدوامة الصحراوية، يظن أن الارض كلها غبار يطاول أعنان السماء ،بينما يصفو الجو على مسافة أمتار من قدميه، ولا يرى ذلك الصفاء إلا من يراقب الدوامة من خارجها..
أزعم –وبقدر من التردد- أن الواقع الدولي يعزز نظرية "نهاية الآيديولوجيا" بكافة أشكالها التاريخية لصالح " التكنولوجيا "، وأن حكم التكنوقراط ببراغماتيتهم هو الذي سيسود، ولكن الأمر سيأخذ طابع الصعود والهبوط في تزاحم الآيديولوجيا مع التكنولوجيا، لكن محصلة هذا التزاحم ستكون للتكنولوجيا التي ستفرض قيما سياسية واجتماعية جديدة عبر آلية الجدل الهيغلي المعروفة، ولكن الامر سيستغرق وقتا على غرار الانتقال من الرعي للزراعة للصناعة لما بعد الصناعة ولكن بإيقاع وتسارع أعلى من المراحل السابقة، وما تعبير "المابعدية" (postism) إلا دليل على ذلك ، فكل النظريات السياسية أصبحت تحمل تعبير "ما بعد" أو "الجديدة"( الماركسية الجديدة، ما بعد الواقعية، ما بعد البنيوية، الليبرالية الجديدة...الخ).
ويبدو لي – حدسيا وبقدر من المؤشرات الكمية- أن النموذج الصيني (وما جرى في الاتحاد السوفييتي)، والأزمة المالية لعام 2007-2008(وهي التي كتبت عن احتمال حدوثها -وفي نفس السنة- في دراسة نشرها مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية عام 1996)..تشير إلى الطغيان المتنامي للتكنوقراط والانتقال الواضح ولكنه الهادئ في بنية المؤسسات في الدول التي لامست هذا التحول من مؤسسات " بيروقراطية" لمؤسسات " لجان عابرة" (from Bureaucracy to adhocracy) .
إن الاضطراب في مجتمعاتنا العربية ليس إلا –في ظني - تعبيرا عن "تَوَهان" لعدم قدرة مؤسساتنا ونظرياتنا السياسية (القومية والدينية واليسارية والليبرالية) تلمس "موت السياسي التقليدي" وتسوُس أخشاب الآيديولوجيا وموت الكاريزما(فقد انتهى عصر البطل وسادت كاريزما العقل) ولأننا لا نتلمس "المابعدية"....ربما كبيرة هذه المرة....
شوهد المقال 1439 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك