وليد عبد الحي - يداكَ أوكتا وفوكَ نَفَخ " التشظي العربي "
بواسطة 2015-05-15 01:40:02

أ.ذ. وليد عبد الحي
حالة التشظي العرقي والمذهبي والديني والقبلي التي يعيشها المجتمع العربي هي تعبير عن "خواء" كل ما زرعته الأحزاب القومية أولا والدينية ثانيا وشرائح اليسار والليبراليين العرب ثالثا..فالانظمة "القومية " وذات الحناجر التحررية حكمت في أكبر الدول العربية بشكل أو آخر منذ 1952(مصر الناصرية) وتلتها في العراق وسوريا واليمن والسودان والجزائر وليبيا (65% تقريبا من العالم العربي)، وهي تقريبا التي تشهد حالة التمزق الحالي.
فالأنظمة القومية العربية لم تتمكن من تطوير مفهوم المجتمع ، بل إن قيم المجتمع "الإثني" فاضت على السلطة بدل أن يكون العكس ، وعاشت تلك الأنظمة القومية وهماْ بأن أغاني عبد الحليم حافظ أو فهد بلان أو محمد حسن أو "دوس فيها وعَ الزلم خليها".. أو هدير احمد سعيد وتلاميذه تكفي لبناء منظومة فكرية قومية (وهو فيما أرى إعادة انتاج لدور الشاعر المنافق في الدفاع عن القبيلة في الجاهلية وما بعدها )، بل في دولة عربية تم وضع بند في بنود ميزانية الدولة لنفقات صور الزعيم "الرب"...
وتبين لاحقا أن الشحن العاطفي واللحاق بجرس "كبش القطيع" لا يقيم وعيا قوميا..بل ما يقيمه هو مشاركة الجميع في صنع قرار "حياتهم السياسة والاقتصادية والاجتماعية" عبر التمثيل العادل لتنوعاتهم المختلفة ، وعليه لا بد من وقفة مع النفس ،ونقد الذات وبقسوة لأن التشقق في جدران مجتمعاتنا هو دليل على أن الاسمنت الذي اوهمتنا الانظمة القومية بأنها بنت به ليس إلا " اسمنتا مغشوشا"...ولا أنكر أن الأنظمة القومية أنجزت في بعض الجوانب (ليس هذا موضع مناقشتها)، لكني اعتقد ان الانجاز السياسي هو الأضعف أو حتى المعدوم ، فلا وحدة قومية، ولا ديمقراطية، ولا ثقافة قومية ، واتساع المشروع الصهيوني وتنامي التغلغل الامبريالي ..وما ان يختفي الزعيم حتى يتم كنس كل ما أنجزه(إن كان هناك ما أنجز) خلال أيام قليلة..بل الطامة الكبرى أنها لم تتمكن من إيجاد منهجية لحل المنازعات الداخلية عبر بنية مؤسسية، وتشبثت بالنمط التاريخي الذي وصفه بن خلدون " الغلبة والدهاء"....
والتشرذم الذي تسبب فيه القوميون لا يقل عن التشرذم الذي أفرزته الثقافة الدينية السائدة، إلى الحد الذي يعبر فيه أغلب الباحثين عن عجزهم عن تحديد ممثلي الطيف السياسي الديني العربي لكثرتهم إلى حد غير معقول...بل إن ما يجري من صراع دموي بين حركاتهم أدهى وأمر..وبقسوة تفوق دموية الصراع مع خصومهم..
أما ما تبقى من تيارات سياسية فلم تتجاوز نخبا لا تزيد عن كونها طلاء جدران يمحوه رذاذ بسيط...
إن التشرذم الذي تعيشه مجتمعاتنا ليس إلا مسؤولية القوى القومية والدينية العربية التي لم تتمكن من بناء ثقافة مجتمعية تتجاوز حدود "قصر الرئيس وحنجرة المغني " أو "ابتهالات رجل الدين بالنصر" ،أو تبني جدران ثقافة مجتمعية باسمنت غير مغشوش عبر جعل كل منا صاحب دور في اتخاذ القرار ولنا مؤسسات لتسوية المنازعات بيننا..وإلا سنبقى أمة " لَقَاح "( يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ). "...
شوهد المقال 1175 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك