وليد عبد الحي - لعبة تصنيف الجامعات
بواسطة 2015-05-03 02:03:30

أ. د. وليد عبد الحي
من الصعب المكابرة في ان جامعات معينة أفضل من غيرها، لكن نسبة الجامعات المجمع على صدارتها محدودة للغاية،غير أن تزايد الاعتناء بمقاييس تقييم الجامعات وترتيبها أخذ يطغى على التقييم الموضوعي،وسأحاول أن أبين في حدود كفايتي العلمية في هذا المضمار أن هذه المقاييس ليست هي القول الفصل للأسباب التالية:
1-التباين في المراتب : تشير مقارنة مراتب الجامعات في عدد مختلف من المقاييس إلى أن مراتب الجامعات تتباين بشكل هائل بين مقياس وآخر، فمثلا تجد جامعة ترتيبها في مقياس 23، وفي مقياس آخر 117,,وهكذا ، وتشير هذه الدراسات إلى أن التباين يتفاوت بين 33 مرتبة(الحد الأدنى) وبين 207 مراتب(الحد الأعلى) للجامعة الواحدة، وان نسبة التوافق بين المقاييس لا يزيد عن 11% طبقا لبعض الدراسات التي اطلعت عليها.
2- تفسير التباين بين المقاييس: يمكن تفسير التباين من خلال
أ- تباين المؤشرات المعتمدة للقياس
ب- تباين الأوزان المعطاة لكل مؤشر
ت- عدد المؤشرات المعتمدة
ولتوضيح هذه النقاط نشير إلى المقياس الاكثر شهرة وهو مقياس شنغهاي، فهذا المقياس يستند على خمسة مؤشرات رئيسية هي :عدد الحاصلين على جوائز نوبل( من خريجي أو ومدرسي الجامعة ، ويأخذ هذا المؤشر ما قيمته( 30%) من العلامة ، وهناك مؤشر الاقتباس لبحوث نشرتها الجامعة في مجلات علمية مرموقة(20%)، ثم مؤشرالدراسات المنشورة في العلوم التطبيقية(20%)،والمؤسسات الجامعية التي ليس فيها التخصصات العلمية التطبيقية يتم توزيع وزنها على المؤشرات الأخرى( مثل: London School of Economicsأو غيرها من الجامعات التي ليس فيها علوم تطبيقية)ن ثم مؤشر عدد البحوث المرجعية في التخصصات كلها (20%)، واخيرا معدل انتاج عضو هيئة التدريس في كل مؤسسة(مجموع الانتاج في الجامعة مقسوما على عدد اعضاء هيئة التدريس)وله (10%).
ويبدو لي أن جعل عدد الحاصلين على جوائز نوبل يحتل حوالي ثلث التقييم ليس مبررا من الناحية العلمية، فهل يعقل أن الاتحاد السوفييتي وروسيا (في المرحلتين ) حصلتا على 28 جائزة بينما النمسا 21 جائزة ؟ ويكفي تذكر أن مناحيم بيغن حصل على جائزة نوبل "للسلام" لندرك أن المعيار السياسي له دور في المنح...ولو تخيلنا ان المعيار هو جائزة لينين للعلوم لتغيرت المراتب كلها... من ناحية أخرى، هل من المنطقي أن نعطي الحاصلين على نوبل من الخريجين 10%( و20% لاعضاء هيئة التدريس في الجامعة)، فمثلا هل تعطى ال 10% عند حساب احمد زويل مثلا لمن منحه الدكتوراه أم من منحه البكالوريوس وهما جامعتان مختلفتان؟ وعلى اي اساس؟ المقياس غير واضح نهائيا في هذه النقطة.ثم إذا كان المدرس الحاصل على نوبل تخرج من جامعة ويعمل عضوا هيئة تدريس في جامعة غير التي تخرج منها فلمن تحسب النقطة..؟ غير واضح بل يبدو لي انه يحسب مرتين..ثم أليس هناك مبالغة واضحة في قيمة هذا المؤشر؟
3- الوزن المعياري لكل مؤشر، فمقارنة المقاييس يشير إلى تباين شديد في وزن نفس المؤشر، فمثلا عند التدقيق في المؤشرات ، أيهما اهم مؤشر الاقتباس(citation) ام عدد الطلاب للاستاذ الواحد؟..أو عدد البحوث أم طريقة التدريس.. أو عدد الحاصلين على جائزة نوبل من اعضاء التهيئة التدريسية أو الخريجيين أو نفقات البحث العلمي من ميزانية الجامعة على غرار مقياس Thesالخ)، فمثلا مؤشر عدد البحوث(المقتبسة والمنشورة) تعطيها شتغهاي 40 % بينما thes تعطيها 20، بعض المقاييس تضع معايير قابلة للقياس الكمي، بعضها يعتمد على استطلاعات رأي الخبراء..مثال .ايهما افضل جامعة في العالم النامي تساهم في رفع انتاج الدولة 1% أم جامعة فيها حاصل على جائزة نوبل لكن مساهمتها في الانتاج 0,3%؟ اما التباين في المؤشرات والاوزان فتجد مثلا احد المقاييس (مقارنة بشنغهاي مثلا) يضع المؤشرات والأوزان على النحو التالي: التعليم(البيئة التعليمية 30%) – البحث العلمي الكم والمردود والسمعة(30%)- الاقتباس (30%)- الاختراعات وبراءات الاختراع(2,5%)- النظرة الدولية: طلاب، هيئة تدريسية، بحوث دولية، 7,5%.. وهنا نلاحظ تباين شديد مع شنغهاي في المؤشرات وفي الأوزان.
ومثال آخر على التباين في المؤشرات والاوزان وبالتالي الترتيب : مثال على التباين غير المنطقي ، وزن البيئة التعليمية في احد المقاييس البريطانية يعطي هذا المؤشر في العلوم الانسانية والآداب 37,5 % بينما يعطي نفس المؤشر في العلوم الاجتماعية 32,5% ..لماذا؟ وفي وزن مؤشر الاقتباس يعطي العلوم الانسانية 15% والعلوم الاجتماعية 25%. ..لماذا؟ كذلك يعطي الاقتباس 15% في العلوم الطبية والعلوم التطبيقية، بينما في الهندسة الاقتباس له 25% ...لماذا؟ لا تجد مبررات واضحة ومنطقية لكل هذا.
4-حساب البحوث باللغات الوطنية والتي قد يكون تاثيرها المجتمعي لا يقل اهمية عن بحوث اجنبية أو اكثر أهمية..وهناك مقاييس تعتمد في مؤشراتها على بعض المؤشرات مثل نسبة الطلبة الاجانب في الجامعة أو نسبة الأساتذة الاجانب في الجامعة او سمعة الجامعة من خلال استطلاع رأي. أو سمعة الموظفين الإداريين..الخ، ولعل مثل هذه المعايير هي التي تعطي الجامعات السعودية مثلا مراكز متقدمة(نسبة الاجانب)،كما أن بعض المقاييس تستبعد الجامعات التي فيها دراسات عليا فقط(ماجستير ودكتوراه) دون مرحلة البكالوريوس، أو المعاهد المتخصصة في موضوع واحد فقط،وهو أمر يخرج هذه الجامعات من القياس تماما مع أنها قد تكون ذات مستوى عال.
خلاصة الأمر:هناك محاولات لوضع مقاييس منذ 2004 من قبل خبراء اليونسكو، او معهد سياسات التعليم العالي في واشنطن.. او مجموعة المعاهد الألمانية...لكن أزعم ان "السياسة" متوارية في باطن أغلب هذه المقاييس، بل إن بعضها يأخذ نقاط قوته ويجعلها مؤشرات ويعطيها أوزانا أعلى فيحصل على مراتب أفضل....هي لعبة ..ربما.
شوهد المقال 1030 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك