وليد عبد الحي - رقص على رؤوس الأفاعي
بواسطة 2015-03-31 04:23:44

البروفيسور . وليد عبد الحي
منذ سقوط الإمامة في ستينات القرن الماضي لم تعرف اليمن "الشمالي" حاكما مدنيا سوى القاضي عبد الرحمن الإرياني، ومعلوم أن سلطة العسكر تخلق أنظمة لا تبني إلا أسوارا لمنع ولوج التغير في فناء قصورها، فإذا ترافق ذلك مع ظاهرة ما يسميه الباحثون "الكليبتوقراطية"( kleptocracy) اي حكم الفاسدين، ازدادت دائرة الاحتقان المجتمعي.
لكن الطامة الكبرى هي في بنية المجتمع ذاته، فالمجتمع اليمني يعد ضمن الدول الأعلى نسبة في النمو السكاني في العالم ، فعدد سكان اليمن عام 2000 كان حوالي 18 مليون نسمة، وهو الآن يزيد عن 26 مليون ، مما يعني أنه يزيد حوالي نصف مليون سنويا، لكن البنية العمرية تشير لعامل تفجر آخر وهو أن 63% من السكان هم بين سن 18-24.
وعند النظر في التركيبة السكانية ، فإن توزيع السكان طبقا للإنتماءات المذهبية تتباين فيها الأرقام من مصدر لآخر، فتقرير لجنة الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين(UNHCR) عام 2008 يذكر أن نسبة السنة 53% بينما الشيعة 45%، بينما تشير مراجع أخرى( CIA وعدد آخر من المراجع الغربية أن نسبة الشيعة بين 30-40%)، ويبدو لي أن التباين ناتج عن التصنيفات الفرعية داخل المجتمع الشيعي، فهناك الزيديون(وهم الأكثر) وهناك الإثناعشريون(كالمذهب السائد في إيران)،وهناك الإسماعيليون، فبعض الارقام هي للزيديين وبعضها للشيعة بتنوعاتهم المختلفة، غير أن الرقم الأقرب هو بين 35-40% فيما أعتقد.
وعامل التفجر الآخر هو الوضع الاقتصادي،فاليمن تحتل مراتب متأخرة جدا بين دول العالم في معدل الدخل(187 من بين 193 دولة)، والمرتبة 188(بين 193 دولة) في نسبة البطالة..وفي المؤشرات الأخرى يتبين لنا أن نسبة البطالة ترتفع لحوالي 50% بين فئة الشباب ، وعند النظر في بنية قطاعاتها الإنتاجية يتبين أن 70% من العاملين هم في قطاع الزراعة ولكن انتاجهم لا يشكل إلا 8% فقط من إجمالي الناتج المحلي، وعند النظر في توزيع الدخل طبقا لمؤشر جيني يتبين أن 45% من السكان يعيشون دون مستوى الفقر، ويتمتع 10% من السكان بحوالي 30% من اجمالي الدخل الذي لا يتجاوز 2500 دولار في السنة، وهو ما انعكس على انخفاض معدل العمر إلى 63 سنة.
هذه الدولة التي تمتد حدودها مع السعودية حوالي 1458 كيلومترا، بينما تمتد مع عمان 288 كيلومترا، يحرسها جيش ينفق حوالي 6% من اجمالي الناتج المحلي(وهو معدل عالي)، وتنفق حوالي 3,5 مليار دولار (عام 2014)، مما يزيد من أعباء الاقتصاد اليمني.
أما البنية السياسية للدولة، فمن المبالغة الحديث عن قوى حزبية بالمعنى الدقيق، فاليمن دولة تختلط فيه القبيلة بالحزب، فأنصار الله ، أو المؤتمر الشعبي العام(حزب علي عبدالله صالح) أو حزب الإصلاح(وعماده الاخوان المسلمين) تمثل بنيات قبلية في معظم قواعدها الشعبية،وتستند كل قبيلة أو مذهب إلى قوة إقليمية تسندها، وهو ما يتضح جيدا في تفاصيل هذه الترابطات بين القبائل والمذاهب والقوى الإقليمية في الدراسة القيمة لأحد ابرز المتخصصين في الإنثربولوجيا اليمنية في جامعة أكسفورد(Paul Dresch- دراستة: Conflict in Yemen: Simple people,Complicated circumstances 2011)،حيث يوثق الدور الإيراني في دعم الحوثيين والدور السعودي في دعم التيارات السلفية ويكفي دراسة العلاقة بين بيكيل وحاشد وبين المذاهب،وهو أمر استثمرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي بقي يحكم اليمن من 1978-2012، وكان يتلاعب بهذه التركيبة بكيفية توزع " الحلوى المسمومة"، مبررا ذلك بعبارته المشهورة عنه أن حكم اليمن يشبه "الرقص فوق رؤوس الأفاعي".
إن دور علي عبدالله صالح المتحالف مع أنصار الله(الحوثيين) حاليا هو ذاته الذي قاتلهم عام 2004 رغم أنه هو ذاته زيدي(طبقا لكل المصادر الأكاديمية) ،ومن متلق للعلاج في مستشفيات السعودية بعد اصابته في انفجار المسجد المعروف إلى اعتباره الحملة السعودية على اليمن بانها "بربرية" طبقا لخطابة الأخير (يوم امس)، ومن كيل التهم للولايات المتحدة في مواقف عدة إلى متفق معها على السماح لها بملاحقة القاعدة في محافظات جنوبية يمنية طبقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة وأعده فريق من خبرائها في فبراير الماضي. ويضيف التقرير ان صالح" استقبل في مكتبه عام 2011 قبل عزله مسؤول القاعدة في اليمن "سامي دايان"، وحضر الاجتماع وزير دفاعه، وتم الاتفاق على "انسحاب الجيش اليمني من محافظة أبين المحاذية للسواحل العدنية"، وعند بدء المظاهرات ضد صالح استولت القاعدة على أبين واختفت الوحدات العسكرية الرسمية بخاصة الوحدات التي تم تدريبها لمقاومة القاعدة وكان يقودها ابن عم صالح. كما يشير التقرير الدولي إلى ان صالح جمع ثروة طائلة خلال وجوده في السلطة وتم رصدها في الخارج بأسماء اشخاص يتبعونه،وها هو يعود للمسرح من جديد مستغلا اتفاق إقصائه عن السلطة طبقا للمبادرة الخليجية التي تنازل فيها لعبد ربه منصور هادي، مقابل منحه حصانة من المساءلة وصادق عليها البرلمان وتم اعتبار ذلك قانونا سياديا، وهو ما جعله في منأى عن المحاكمة أو الملاحقة، فعاد متظللا بالمبادرة الخليجية التي رسمت خطوطها السعودية..ذلك كله يعني أن السعودية تحرك التاريخ من جانبه المتعفن...فهل تعود سيرة "مقبرة الأناضول من جديد"؟...ذلك هو الارجح في زعمي.
شوهد المقال 1451 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك