وليد عبد الحي - قناة الجزيرة بين الزمار والملحن
بواسطة 2015-03-24 00:18:32

د . وليد عبد الحي
منذ ظهور قناة الجزيرة عام 1996، أصيب الإعلام الرسمي العربي بصدمة حادة أجبرته على التكيف التدريجي وبمعاناة شديدة مع الظاهرة الجديدة، وتفاوتت نسب التكيف من إعلام لآخر، وحضر تاريخ الإعلام العربي ليملأ المواطن العربي بالشك في الظاهرة الجديدة، لكن القيود والانتقادات التي واجهتها الجزيرة في إسرائيل والعراق والكويت والولايات المتحدة والسعودية والجزائر...الخ ، وما تعرض له مراسلوها من اعتقال وسجن " وبعضهم قبع في السجن لفترات طويلة"... عززت من الثقة بين المواطن العربي والظاهرة الجديدة ...
ونظرا لطغيان الطابع الانفعالي على الثقافة السياسة العربية، تورمت الثقة بالجزيرة، وبدأ المواطن يعاني من آثار هذا الورم، لا سيما أن الوثائق الديبلوماسية والدراسات الأكاديمية والأطروحات الجامعية بدأت تدقق في حقيقة الظاهرة الجديدة، فكيف لنظم سياسية تعود للقرون الوسطى أن تنتج إعلاما "معولما"؟.
ولعل الدراسة التي كنت المشرف العلمي لها والتي استندت لإجابة (611) استاذا جامعيا عربيا من المتخصصين في العلوم السياسية أو الإعلام(مهنية قناة الجزيرة-مركز دراسات الجزيرة-2008)، كشفت لنا أن الجزيرة منحازة "للاخوان المسلمين"( صفحة 82)..ولم يكن حينها موضوع الإخوان المسلمين مطروحا بالحدة الحالية أو الحساسية الحالية، وفي العام التالي 2009، قدم الباحث Shawn Powers أطروحة دكتوراه في جامعة جنوب كاليفورنيا تحت عنوان " THE GEOPOLITICS OF THE NEWS:THE CASE OF THE AL JAZEERA NETWORK" وحلل فيها الباحث في الفصل الرابع من صفحة 124-153 مدى موضوعية الجزيرة، ليصل إلى ان الجزيرة ليست إلا امتدادا للتاريخ والتراث العربي ولكن "بتكنولوجيا غربية"...
وتتضح هذه النتيجة في الصورة التي رسمها الغرب للجزيرة، فصحيفة دير شبيغل في 15 فبراير 2013 جعلت عنوانها" بعدالربيع العربي:الجزيرة فقدت معركة الاستقلالية After the Arab Spring: Al-Jazeera Losing Battle for Independence
وتقول الصحيفة الألمانية أن الجزيرة( والتي تضم ثلاثة آلاف موظف ولها مكاتب في 65 دولة وبميزانية تصل لنصف مليار دولار) تعاملت مع الأحداث العربية بطريقة منحازة ، فمثلا –طبقا لقول الصحيفة- المظاهرات ضد مرسي تعاملت معها الجزيرة على غرار الإعلام العربي التقليدي، ويقول التقرير نقلا عن أكثم سليمان الذي كان مراسلا للجزيرة أن الاوامر كانت تأتي "لنقل تصريحات مرسي وكأنها رأس الحكمة، وأصبحنا مذيعي القصر لمرسي"، ويقارن التقرير بين تغطية أحداث سوريا وتغطية أحداث البحرين والفارق الكبير بين مساحة ونوعية التغطية للحدثين. وهو الأمر الذي عززته
مجلة التايم التي كتبت عنوانا لمقالها في 24 مايو 2011 يقول:
Bahrain’s Voiceless: How al-Jazeera’s Coverage of the Arab Spring Is Uneven
والتي تتناول فيه عدم التوزان في الجزيرة لتغطية أحداث البحرين.
أما صحيفة الغارديان البريطانية، فتشير كيف جاءت الاوامر في 30 سيتمبر 2012 من المركز في الدوحة للمحررين في القناة الانجليزية(الجزيرة) لتأخير خطاب الرئيس الأمريكي أوباما في الأمم المتحدة حول سوريا ووضع خطاب الامير القطري قبل خطاب أوباما في مقدمة النشرة والتركيز عليه بشكل أكبر..وتم ذلك.
ونشرت الغارديان ( 6 ديسمبر 2010) وثائق من ويكيليكس من السفارة الأمريكية في الدوحة تشير إلى أن حكومة " قطر تستخدم قناة الجزيرة العربية كورقة مساومة في مفاوضات السياسة الخارجية عن طريق تكييف تغطيتها لتتناسب مع زعماء أجانب أو وقف بث انتقادات لزعماء آخرين في مقابل تنازلات كبيرة,,والقناة أداة نافعة لسادتها من السياسيين القطريين" كما تقول الصحيفة البريطانية.
وفي حوار مع (DW) الالمانية يقول أكثم سليمان (ديسمبر 2012) أن " الجزيرة تعزف على المزمار ، والحكومة القطرية هي التي تضع اللحن"..
وتنقل واشنطن تايمز عن 22 موظفا في مكتب الجزيرة في القاهرة استقالتهم بسبب " أننا أصبحنا نبث الأكاذيب"( واشتطن تايمز الثلاثاء- 9 يوليو 2013)، وقال كارم محمود للصحيفة "لقد تلقينا أوامر صريحة بنقل ما هو لصالح الاخوان المسلمين"...وتشير الصحف الغربية ذاتها كيف كانت تتم تغطية الأخبار السيئة عن السعودية في فترة الخلاف القطري السعودي، وكيف يتم سحب هذه الاخبار بمجرد تحسن العلاقة بين البلدين..
لكن الجديد في المشهد هو ما نقلته الصحف القطرية اليوم( 22-مارس 2015) عن مشروع "لخصخصة الجزيرة" ، وبأن الجزيرة في هذه الحالة ستزيد من نطاق عملها الاستثماري بفتح قنوات الجزيرة بلقان ، الجزيرة سواحلي، الجزيرة تركيا..ويبدو أن الامير السابق كان قد أوصى بهذا التوجه.
فإذا تم مشروع الخصخصة، فإن عقود الموظفين قد تكون موضع مراجعة من حيث الامتيازات "وشروط العمل الجديدة"،كما أن القطاع الخاص سيكون معنيا بموضوعات لا تكون القضايا السياسية وقضايا الامن الوطني هي موضع الاهتمام الأول.. فهل الجزيرة في طريقها للظل تدريجيا بخاصة في أيام "الكسوف التي نعيشها هذه الأيام "....ربما.
شوهد المقال 1673 مرة
التعليقات (1 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك