أحمد سعداوي - صناعة "الوطنية
بواسطة 2015-03-14 02:20:16

أحمد سعداوي
"الوطنية" صناعة خيالية في نهاية المطاف، ولا يوجد شيء قدري وسماوي في "الوطنية"، إنه بناء بشري على الأرض، فبالاضافة الى العوامل المادية المباشرة، والتي تملك فعالية بعيدة المدى وأكثر عمقاً وجذرية مثل؛ المصالح الاقتصادية بين الأفراد والفائدة العملية واليومية لفكرة الوطن الجامعة والمؤطرة لحركة ونشاط افراد محددين، تأتي الصور الخيالية المصنوعة لتعزز عاطفة الشعور الوطني، على الرغم من كونها قصيرة التأثير، ولكن استمرار الماكنة الثقافية في انتاج المزيد من هذه الصور يجعل الأجواء مشحونة بالعواطف الوطنية المفيدة والمعززة للروح الايجابية لدى الأفراد.
بالتأكيد هذه الصور العاطفية لا يمكن لها أن تقيم وطناً، إن لم تكن العوامل المادية مؤسسة وقارة على الأرض، ولكنها ضرورية وهامة جداً. ولنتذكر أننا عثرنا على الكثير من الصور الوطنية في أحداث السنوات العشر الماضية، وتم اعادة انتاجها في الاعلام والثقافة لتعزيز العاطفة الوطنية، ولكنها لم تستطع وحدها أن تدرأ الخراب الوطني الذي كانت تغذيه أموال ومصالح متناشزة بين نخب سياسية وكارتلات قوى أقليمية.
كلنا نتذكر أؤلئك الجنود ورجال الشرطة الذين احتضنوا الارهابيين امام مراكز الاقتراع وافتدوا بانفسهم أرواح مدنيين آخرين، أو الاختراق البطولي الذي يقوم به أفراد لحواجز الانقسام الطائفي، مثل عثمان العبيدي في حادثة جسر الأئمة في 2005.
أصدقاء في أحياء بغدادية تبادلوا منازلهم الكائنة على ضفتي انقسام طائفي، أو تجّار شركاء تقاسموا مناطق النفوذ التجارية حسب خرائط الامر الواقع التي انتجتها الحرب الطائفية.
هناك المئات من القصص التي تسخّف حدود الطباشير التي رسمتها الوقائع السياسية والعنفية على الأرض، ولكنها، حتى مع استثمار الاعلام لها، لم تكن قادرة على محو حدود الطباشير هذه، لأن المفاعيل المادية على الأرض كانت تمتص هذه القصص وصورها العاطفية الوطنية وتذيبها على مهل في التيزاب الطائفي الكريه.
وحتى لا يكون كلامي تنظيرياً او تجريدياً، أقول؛ أنا مؤمن أن ماكنة الصور العاطفية الوطنية ستستمر بالانتاج، ولست خائفاً من تعطلها او تباطؤ عملها، ولكنها ليست كافية.
يجب أن نستثمر الأجواء الوطنية الايجابية التي تخلقها هذه الصور من أجل الدفع لتعزيز عوامل مادية أكثر رسوخاً على الارض، عوامل تعزز "الوطنية" وتقيمها على أساس متين، كتدعيم مؤسسات الدولة الوطنية، تقويتها، ملء الفراغات المتروكة منذ عشر سنوات في الكثير من التشريعات والقوانين التي تشغّل مؤسسات الدولة، ربط المجتمعات المحلية بشبكة مصالح اقتصادية واضحة، وعدم تكريس مراكز قوى احتكارية سياسية الطابع، محاربة البطالة من خلال وظائف منتجة تعزز الرأسمال الوطني الخاص وليس تضخيم البطالة المقنعة في الوظائف الحكومية، لأن وظائف الدولة صارت وسيلة سياسية تغذي الانقسام. تعزيز برامج ثقافية اجتماعية من الاسفل الى الاعلى وليس العكس. لا نريد مؤتمرات للمصالحة، او جلسات يتعشى فيها آلهة البانثيون. وانما برامج تخص الأحياء والقرى والبلدات، برامج تخص فتح الحوار بين افراد المجتمع نفسه، ولا يمكن لكلام النخب فيما بينهم أن يكون بديلاً.
يمكن أن "نهوّس" للوطن ونفرح لذلك ونبكي فرحاً، يمكن أن تعطينا "الهوسة" طاقة مضافة، روحاً ايجابية، أملاً بالمستقبل، ويمكن لأخطاء الساسة وعدم مسؤوليتهم وفسادهم وضيق افقهم أن يدوس "الهوسة" والوطن الكامن في الهوسة بأقدام من دم.
شوهد المقال 1239 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك