حارث حسن ..... تلاشي الدولة وتفكك الشعب

د.حارث حسن
من اللافت انه في الوقت الذي يمر المشرق العربي بمرحلة غير مسبوقة من التفكك وتلاشي الدولة واللااستقرار السياسي والاجتماعي ، يتشبث البعض بالتصورات الفكرية والثقافية التي تحاول ان تضفي ثباتا على هذه الأوضاع ، وعلى الأرجح هي تحاول ان تتقنع بالثبات والرسوخ لانها غير قادرة على مواجهة حالة فريدة من اللايقينية والسيولة ، اي انه ادعاء مصطنع باليقين في التعامل مع وضع يغيب عنه اليقين ولايمكن ان تمسك به تصنيفاتنا الموروثة. خطابات الهوية التي تتصاعد مع تصاعد الصراع هي حالة انفعال جمعي ، وليست صيغ حقيقية لفهم ما يحدث ، او للبحث عن " حلول".
بموازة ذلك ، اعتقد أننا نعيش عمليا حالة سقوط العقائد الفكرية التي هيمنت طويلا على خطاب النخب في هذا الجزء من العالم . يكفي النظر مثلا الى الخطابين الليبرالي واليساري لنرى مدى إفلاسهما في التعبير عن مايحدث ، فلا لغة " الدمقرطة" واستعارة نموذج " الغرب" ، و لا لغة "العدالة الاجتماعية" وتقريع " الإمبريالية " ، تستوعبان بما يكفي حالة من تساقط المرجعيات وتهافت خطاباتها لم تحصل على هذا المستوى من قبل .المشكلة ان الثقافة السياسية العربية ظلت ولزمن طويل تدور حول سؤال الدولة ودور الدولة ، وهي اذ تواجه " انهيار" او تاكل الدولة ، تقف عاجزة عن تقديم تصور ناضج لاستيعاب ما يحصل ، ويخلف فشلها فراغا تملأه ميثولوجيات الهوية التي تسعى لإعطاء معاني لل" نحن" و ال" هم" عبر تصنع تاريخ ممتد ووشائج موهومة وعداوات ثابتة ، وتقديمها بقالب جواب نهائي على سؤال: ما الذي يحدث؟
تفكك الدولة او تراجع قدراتها القيادية يتبعه تفكك " الشعب " ، فالشعب لا وجود له بدون الدولة ، هو بدعة رومانسية لادعاء " الواحدية الجمعية" لم تصمد طويلا أمام صراعات السلطة ، ومع تفكك " الشعب" وتشضي وعائه الرومانسي ، تزدهر كل التضامنات الجزئية او العابرة للحدود لابتداع شعوب بديلة.
ببساطة ، الغالبية تعيش" الانفعال" بوصفه "الفعل " الممكن الوحيد.
" جزء من محاولة لفهم ما يحدث بعيدا عن يوميات الصراع"
شوهد المقال 1079 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك