نجيب بلحيمر ـ على طريق "استحالة الحكم"
بواسطة 2021-03-06 00:56:09

نجيب بلحيمر
الشارع لا يقيم وزنا لما تقوله "نخب" العالم الافتراضي، وحملات الدعاية والتضليل بلا أثر عليه، هذه خلاصة واضحة يمكن أن يراها كل من تابع ما جرى في الشارع اليوم.
الرسالة بسيطة وواضحة؛ القطيعة مع نظام الحكم كاملة، وكل فشل تسجله السلطة على مستوى الخطاب أو الممارسة هو تذكير بأن السلمية بنفسها الطويل هي الفرصة الوحيدة لإحداث التغيير دون تحميل الجزائريين كلفة لا تطاق.
مثلما تعتبر بعض "النخب" أن السياسة تمارس وفق القواعد التي تفرضها السلطة القائمة، يصر الشارع على القول بأن ذلك عهد انتهى، لن يقبل الناس بأن يحكموا بالطريقة التي حكموا بها منذ الاستقلال، هذا أمر مؤكد، والقضية هنا لا تتعلق بالانتخابات وشروط نزاهتها بل بمطلب يصنع جوهر السياسة، وهو إنهاء الحكم الخفي الذي هو أصل أزمة الشرعية، وهو النقيض لدولة القانون، وهو الذي يسقط المسؤولية المترتبة عن ممارسة الحكم ويضع القائمين على الشأن العام فوق المحاسبة.
مع كل أسبوع يمر تضيق الهوامش التي لا يراها أولئك الذين يعتقدون أن السياسة هي ما تمارسه أحزاب المحاصصة الانتخابية، تضيق تلك الهوامش التي كانت واسعة جدا عندما انطلقت هذه السلمية قبل أكثر من سنتين، وكل الأوراق التي كانت بيد السلطة ويمكنها من خلالها المساهمة في صياغة حل حقيقي سقطت وأفرغت من محتواها.
تعلم السلطة جيدا أنها لا تملك الموارد والكفاءات التي تسمح لها بتسيير المرحلة بطريقة آمنة، كل ما تعد به هو مزيد من الانتخابات الفاقدة للمصداقية والعاجزة عن إبداع حلول، ولأنها لا تملك أي رؤية ولا تستطيع أن تفكر في تغيير الاتجاه فإنها ستعيد العمل بخيارات قديمة أثبتت فشلها منذ سنوات لكنها تحولت منذ سنتين إلى السير فوق رمال متحركة.
لا تمثل السلمية أي خطر على البلاد، فهي التنبيه الذي يصدر من جزائريين يعنيهم شأن وطنهم، لكن في مقابلها تمثل السلطة الحاكمة تهديدا حقيقيا لاستقرار الجزائر ومستقبلها، فالمظاهرات لم تمنع الحكومة من أداء مهامها، ولم تمنع المسؤول الأول في البلاد من إظهار الحد الأدنى من الأهلية لتولي المنصب الذي يشغله، وهي لم تمنع وسائل الإعلام الواقعة تحت سيطرة السلطة من إقناع الناس، والذين يشتغلون منذ أكثر من سنة بالحديث عن نهاية الحراك عليهم أن يبشروا الجزائريين بما هو أفضل منه، أو يساعدوا السلطة بما أوتوا من حكمة.
الخراب السياسي الذي خلفته ثلاثة عقود من الاستبداد والرداءة أفرغ السياسة من المعنى، والقواعد التي فرضها نظام حكم لم يشارك الجزائريون في صياغته ولم يكونوا أبدا طرفا فيه، انتهت صلاحيتها اليوم، وما تدفع باتجاهه السلطة اليوم هو حالة من "استحالة الحكم" لا ينبه إلى خطورتها إلا هذا الشارع الذي قررت فئة من الجزائريين أن تبقيه مفتوحا كفضاء وحيد متاح للتعبير الحر والكفاح من أجل المواطنة.
شوهد المقال 254 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك