نجيب بلحيمر ـ "ممكن" حمروش في مواجهة "صمم" السلطة
بواسطة 2020-09-25 04:18:26

نجيب بلحيمر
من يقرأ المساهمات السابقة لرئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش سيجد أن التحذيرات التي أطلقها في مقاله الذي نشرته اليوم جريدة الخبر تتكرر في كل مرة، اليوم أيضا خصص القسم الأكبر من التحليل لتصحيح ما يراه قصورا في الفهم وقلة في استيعاب حقيقة الأزمات والمخاطر التي تواجهها الدولة، وقد جعل توصيفه للوضع القائم، وحديثه عن الحريات مقدمة لطرح عرض سياسي على من بيدهم السلطة اليوم.
العرض في الفقرة التالية " من حق أي كان أن يعبر عن أمله وأن يقترح وأن يكون له طموح أو أن يتوقع مكافاءات. لكن في مجال ما يخص الدولة والحكم، فإن الخيار السياسي وحقائق الوضع وما هو ممكن هي العناصر الحاسمة التي يعتد بها فقط. وهذا يفرض بالضرورة حتمية اللجوء إلى الممارسة السياسية وفن الممكن فيها. إن مسار إعداد أي توافق سياسي أو تحقيق أي تراض هي من موروثات فن الممكن مشفوعة بجسارة الإيمان وجرأة الوضوح.
كل مسار سياسي هو إرادة وخيار وغاية، لأنه بمجرد الشروع في تجسيد أي مسار سياسي سيتغذى هذا المسار من حيويته السياسية الذاتية للوصول لغايته دون حاجة لإحداث أي فراغ في السلطة. يسمح مثل هذا المسعى بإعادة بناء الثقة والحصول على دعم ومساندة إضافية وإقامة روابط سياسية واجتماعية بينة."
في هذه الفقرة جملة عناصر:
أولا: أن الحل يجب أن يطلق من حقائق الوضع أي أن يتسم بالواقعية.
ثانيا: أن يكون الهدف إطلاق مسار توافق سياسي يقوم على التراضي.
ثالثا: أن يكون الحل نتيجة لحيوية سياسية ذاتية للمسار الذي يتم إطلاقه بما يعني أن النتائج لا تحدد سلفا ولا يفرضها طرف ( والجهة التي تفرض في هذه الحالة هي السلطة)، وهذا يعني أنه ليس هناك خطة جاهزة للتنفيذ بل حوار شامل ومفتوح ينتج خطة.
رابعا: لن تكون هناك حاجة لإحداث أي فراغ في السلطة، بما يعني أنه لن يكون من شروط الحل التراجع عن النتائج التي أفرزتها خارطة السلطة التي جرى فرضها منذ بداية الحراك والتي أدت إلى تنصيب عبد المجيد تبون رئيسا.
خامسا: الهدف المتوخى هو انخراط أغلبية الجزائريين في هذا المسار الذي يعني في النهاية بناء منظومة الحكم على أسس جديدة وبشكل توافقي.
هذا العرض الذي يقدمه حمروش ليس جديدا، فقد سبق له أن أكد على ضرورة البحث عن حل بعيدا عن الانتخابات وفكرة المرحلة الانتقالية، وهو هنا ينطلق من قراءته لطبيعة نظام الحكم والقوى المؤثرة فيها، فالانتخابات لم تحل أزمات منظومة الحكم في السابق لأنها في الحالة الجزائرية ليست آلية للتغيير أو التحكيم، والمرحلة الانتقالية تثير مخاوف السلطة من "الفراغ" كما ظهر في طريقة معالجتها للوضع بعد الثورة السلمية. هنا يقدم حمروش اقتراحا خاصا يقوم على إطلاق مسار حقيقي وواعي يقوم على إشراك الجميع دون استثناء من أجل التوصل إلى توافق، وهذا دون العودة إلى ما قبل انتخابات 12/12.
قبل أن يصل حمروش إلى طرح هذا العرض يقدم توصيفا مخيفا للوضع القائم أوجزه بالقول: "نحن أمام فراغ سياسي تنظيمي رهيب وشنيع. ليس هنالك هيكل مؤسساتي أو سياسي عدا مصالح الأمن والإدارات الإقليمية (أدوات القانون والخدمات) وهي الوحيدة المتجاوبة والتي تتمتع بمصداقية مؤكدة. وليس هناك تنظيم سياسي أو نقابي يتمتع بالشرعية التنظيمية الأكيدة ولا تمثيل اجتماعي يحظى بالتقدير والتصنيف بما في ذلك تلك التنظيمات الحزبية التي تتغطى بهالة "الثورية" أو تلك التي تتفاخر بدورها أو بمساهمتها في الماضي. كما أنه ليس لأي هيكل اقتصادي أو مالي قائم قدرة الإدارة والحث أو التأثير بشكل حاسم في الاقتصاد الوطني."
لعل هذا التوصيف، خاصة ما تعلق بالفراغ السياسي والتنظيمي، هو الذي يجعل حمروش يعتقد أن الحل الآمن يجب أن يأتي من داخل السلطة شرط أن يكون واقعيا، والواقعية هنا تعني الأخذ بعين الاعتبار المعطيات التي أفرزها الحراك، وحقيقة الفشل المزمن الذي تعاني منه السلطة التنفيذية على المستويات كافة، والفشل في حل أزمة الشرعية عن طريق الحلول الأحادية المفروضة، وأن الضمانة الوحيدة لتماسك الجيش ووحدته هو الشعب كما أثبته الحراك.
كيف يصبح هذا المسار ممكنا ومثمرا؟ يمهد للأمر حسب حمروش إطلاق الحريات بتصحيح النظر إليها على أنها ضمانة لديمومة الدولة وحماية لها من التدخلات الخارجية، ويمر ذلك أولا عبر تصحيح النظر إلى الحريات والسلطات المضادة والرقابة باعتبارها ضمانات لاستمرار الدولة واستقرارها وحماية للمسؤولين والحكام من الانحراف وتحصين للدولة من التدخلات الخارجية. الحريات هي التي تسمح للمجتمع بتنظيم نفسه بما يؤهل الديناميكية السياسية التي تنتج عن المسار الذي يتم إطلاقه لبناء حل توافقي يقوم على التراضي.
يبدو حمروش وفيا لرؤيته للتغيير من داخل النظام، وهو لا يمل من تكرار تحذيراته ودعوته إلى إطلاق مسار حقيقي لتغيير نظام الحكم والبناء على أسس سليمة، وهذا يضعنا أمام سؤال آخر، ما هي احتمالات استجابة السلطة إلى هذا العرض. الإجابة لا تبنى على تصورات نظرية بقدر ما تحكمها سوابق السلطة في التعامل مع العروض والاقتراحات التي قدمت لها، بما فيها أفكار حمروش نفسه، وهنا يجب الاعتراف بأن السلطة لن تستجيب ليس لأنها لا توافق ولكن لأنها لا تملك آلية للإصغاء والتفكير في الحلول خارج ردود الأفعال الآلية التي تتحرك مع كل أزمة والتي تتلخص في ثلاث خطوات ( تنحية مسؤولين ثم إجراء انتخابات، واعتماد دستور جديد).
ليس لدى حمروش ما يدفعه كمقابل للسلطة، وهو، عكس ما يتهمه كثير، لا ينتظر منها شيئا، لكن طرحه يقوم على قبول الأمر الواقع الذي فرضته السلطة والانطلاق إلى الأمام في مسار آخر، وهذا ينطوي على مخاطرة، لأن مفهوم السلطة للقوة ورؤيتها لموازين القوى يجعلها تختزل الواقع في ما فرضته بالقوة، وهذا يعني إمكانية إفراغ أي مسار من محتواه في منتصف الطريق وهو ما حذر منه بالقول: "معلوم أنه يمكن إيقاف أي مسار سياسي توافقي أو تراض، حتى بعد إطلاقه، لكن لا يمكن تحويل مجراه وعكسه، حتى وإن تعرض للتضليل أو أغرق في المزايدات والأطماع".
بقيت نقطة أخرى وهي أن التطرف الذي يطبع سلوك السلطة جعلها في حالة قطيعة تامة مع المجتمع، وهذا أمر مخيف في سياق ظرف سياسي واقتصادي عصيب لا يمكن النجاة من مخاطره إلا بالعودة إلى السياسة بوصفها فنا للممكن.
شوهد المقال 444 مرة
التعليقات (2 تعليقات سابقة):
حلول واقعية. اعادة تشكيل الاحزاب و النقابات، وتكون روحها و خصاءصها مستوحات من مواصفات الحراك من كل الجوانب.اما بالنسبة المؤسسات خاصة الاقتصادية التي اشار إليها لازم ان تكون الأذن الصناعية لمشاكل المجتمع والحراك
،
من طرف ا لحكومةولكن غير ملموسة بالنسبة للشعب.و من جهة اخرى يلاحظ محاولات الثورة المضاضة من خلال فبرك
ة إعلانات لتحطيم مكتسبات الحراك(تصريح حنون)مثلا
لماذا ليس هناك جواب من الحكومة فيما يخص الهجرة الغير ااالشرعية(الحرقة) كان من المفروض دراسة اجتماعية لمعرفة المنطقة الإطار تضررا لاشراع في الفور انشاء مشروع اقتصادي صغير او متوسط الحجم الشباب.
أضف تعليقك