نجيب بلحيمر ـ سحابة صيف راعدة
بواسطة 2020-05-30 04:45:51

نجيب بلحيمر
كما كان متوقعا اكتفت الخارجية الفرنسية بالتذكير بحرية الصحافة للرد على قرار الجزائر استدعاء سفيرها لدى باريس احتجاجا على بث وثائقيين سهرة الثلاثاء على قناتي فرانس 5 و القناة البرلمانية التابعتين لشبكة فرانس تلفزيون العمومية، وأشارت الخارجية الفرنسبة إلى حرصها على استقرار العلاقة مع الجزائر.
هذا الرد يكشف توصيفا غير متناسب مع قرار الجزائر باستدعاء السفير للتشاور، وهي خطوة لرفع سقف الاحتجاج بعد استنفاذ الخطوة السابقة عندما تم استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر للاحتجاج على تدخل أحد المحللين عبر قناة فرانس 24 العمومية هي الأخرى.
وفي العلاقات الدبلوماسية يعبر استدعاء السفير للتشاور عن حالة متقدمة من التوتر بين طرفي العلاقة، أما الخطوة التي تليه في حالة استمرار التوتر فهي سحب السفير الذي يعني خفض درجة التمثيل الدبلوماسي أو قطع العلاقات بصفة كاملة.
من الناحية الواقعية يبدو استدعاء السفير للتشاور بسبب بث أشرطة وثائقية تتناول الشأن الجزائري قرارا غير متناسب مع الحدث، ويعكس تماثل الرد الفرنسي مع ما قاله السفير الفرنسي للمسؤولين في الخارجية الذين استدعوه في وقت سابق للاحتجاج على حادثة مماثلة، عدم تحقيق الاحتجاج من الطرف الجزائري لما هو منتظر منه، وهذا يستدعي السؤال الأهم: ماذا بعد الرد الفرنسي؟
يعرف الرسميون الجزائريون، كما الفرنسيين، بأن العلاقة بين البلدين معقدة وتحكمها شبكة مصالح متداخلة على مستويات عديدة، سياسية واقتصادية وثقافية وإنسانية، ومهما حدث من أزمات فإنه يتم تجاوزها في صمت، ودون إطلاع الرأي العام الذي يبدو اليوم المستهدف الأول بإعلان الموقف.
لا يمكن توقع اي تنازل من جانب فرنسا بخصوص حرية وسائل الإعلام وخطها التحريري، ولا فرق هنا بين الإعلام العمومي والخاص، وليس من المتوقع على الإطلاق أن تقدم الجزائر على خطوة تصعيدية أخرى بسبب عدم الاستجابة الفرنسية، ثم إن استدعاء السفير للتشاور لم يصاحبه أي مطلب واضح كشرط لعودته، بل إن بيان وزارة الخارجية الذي أعلن القرار حرص على اتهام اطراف لم يسمها بالسعي إلى المساس بالعلاقة بين البلدين، وهي قراءة غريبة تبرئ فرنسا الرسمية ضمنا لكنها تحتج عليها باستدعاء السفير للتشاور.
الأرجح في هذه الحالة هو أن السفير سيعود دون أن تخبر السلطات الجزائريين بيوم عودته ولا سبب عودته، وهو ما سيقلل من مصداقية الحملة الإعلامية المركزة منذ يومين ضد فرنسا، وهي حملة ستبقى من طرف واحد، لكن ليست وسائل الإعلام المحلية وحدها التي ستخسر مزيدا من مصداقيتها، بل ستتضرر السلطة الجزائرية أيضا بعد أن حولت قضايا السياسة الخارجية والعلاقات الدولية للجزائر إلى مادة للاستغلال السياسي المحلي.
سواء اتفقنا أو اختلفنا حول الدوافع الحقيقية للقرار الجزائري فإن جولة في الإعلام الفرنسي تؤكد لنا الإجماع على ربط القرار بالوضع السياسي الداخلي كما فعلت جريدة لوموند التي يعمل لديها مخرج الفيلم مصطفى كسوس، أو كما كتبت لوباريزيان، في حين اختارت لوفيغارو أن تنطلق من فكرة ان نظاما شموليا لا يمكنه أن يفهم حرية الصحافة، لكن ليس الإعلام الفرنسي وحده من اتخذ هذا الموقف، فحتى وكالة أسوشيتد برس الأمريكية اختارت أن تذكر بمكانة الجزائر في مجال حرية الصحافة والتي تضعها في المرتبة 164 ضمن قائمة تضم 180 دولة وقد جاء التذكير في خاتمة البرقية التي نشرتها عن خبر استدعاء السفير ورد فرنسا عليه، وقد اعادت نيويورك تايمز نشر البرقية وستعيد نشرها جرائد أمريكية وعالمية أخرى كما هي.
الخلاصة هنا هي أن القرار الذي كان يفترض أن يثير الانتباه الى أزمة دبلوماسية تحول إلى تنبيه إلى الوضع الداخلي فيما يتعلق بالحريات والوضع السياسي بصفة عامة، وهذا هو الثمن الخارجي للأثر الداخلي الذي تبحث عنه السلطة من خلال قرار استدعاء السفير.
لم يسبق أن تم تسيير العلاقات الدولية للجزائر بهذه الطريقة، وهنا يجب التنبيه إلى التعليق الذي نشرته وكالة الأنباء أمس وأعادت قراءته قنوات التلفزيون والذي يصل إلى حد اتهام أحد مرشحي انتخابات 12/12 بتلقي تمويل فرنسي، وهي تهمة تتطلب تدخل القضاء وتفرض طلب توضيحات من الجانب الفرنسي.
في الأخير يمكن العودة إلى الطريقة التي سيرت بها الجزائر أزمة العلاقة مع مصر في 2009 وكيف انتهت تلك الأزمة، لنعرف إلى أي مدى تغير سلوك الدبلوماسية الجزائرية وفي أي اتجاه.
شوهد المقال 280 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك