نجيب بلحيمر ـ دولة القانون ليست بحاجة إلى أساطير
بواسطة 2020-02-11 03:13:11

نجيب بلحيمر
القضاء ليس بخير.. هذه خلاصة ما جرى اليوم؛ وكيل الجمهورية بمحكمة سيدي محمد يدفع ببراءة المتهمين ويقول إن القضاء في الجزائر الجديدة سيستقل، والكلام يبدو أقرب إلى الخطاب السياسي منه إلى المرافعة القانونية، فممثل الحق العام ليس بحاجة لإعلان موقفه هذا فهو ملزم بتطبيق القانون كما يطالب بذلك المحامون وعامة الجزائريين.
وصف ما حدث بمحكمة سيدي محمد بالتاريخي هو الآخر لا يبشر بخير، فالأصل أن يكون القضاء مستقلا وعلى ذلك ينص الدستور، ثم إن وكيل الجمهورية هذا هو نفسه الذي أمر بإيداع متظاهرين الحبس فيما عرف بقضية رفع الراية الأمازيغية التي خيمت على أحكامها أجواء سياسية مشحونة، وأصدر القضاة بشأنها قرارات متناقضة كشفت عمق المأساة التي يعيشها القضاء، مأساة كشف الجانب الأهم منها القضاة أنفسهم.
في اليوم نفسه أجلت محكمة الدار البيضاء محاكمة السجين السياسي فضيل بومالة لأسبوعين آخرين بما يجعل حبسه احتياطيا يمتد لأكثر من خمسة أشهر بتهم يصفها المحامون بالفضفاضة، وبدا قرار المحكمة كحلقة في سلسلة الاستعمال الكيدي للقضاء من أجل تحييد من تعتبرهم السلطة "مشوشين" ليصبح القضاء أداة للتغييب من الساحة السياسية، ولتتحول أحكامه إلى آلية لربح الوقت أو تبديده.
ما قاله وكيل الجمهورية أمام هيئة محكمة سيدي محمد اليوم يؤكد هذا التناقض، ليس بين أحكام مختلف القضاة فحسب، بل بين قول القاضي وسلوكه أيضا، وقد تم استعمال هذه التناقضات للدفاع عن السلطة ونفي تدخلها في عمل القضاء، فسمعنا من المتدخلين في وسائل الإعلام من يقول لو كانت هناك املاءات عن طريق الهاتف فلماذا لم يرن هاتف قاضية عنابة التي برأت حامل الراية وآمرت بإعادة المحجوزات لصاحبها؟ ولماذا لم يرن هاتف قاضي محكمة باب الواد الذي نطق بحكم مماثل لفائدة مجموعة من الشباب المعتقلين بنفس التهمة؟ والحقيقة أن هذا السؤال ينطوي على مغالطة، فالأصل في القضاء الاستقلالية عن السلطة التنفيذية، والقول بأن القضاة لا يطبقون القانون فيه تجاهل لأشكال مختلفة من الضغط تتراوح بين الاملاء المباشر والقرارات التي قد تطال من يعتبرون خارجين عن الصف، وتضاف إليها الاجواء المشحونة التي تجعل إصدار الأحكام لا تراعي الا القانون شجاعة كبيرة تستحق التنويه من قبل الدفاع وعائلات المتهمين وسائر المواطنين، وقد تعودنا على سماع عبارات الشكر للقضاة تتردد على ألسنة من ثبتت براءتهم بما يوحي ان تطبيق القانون صار استثناء.
الأصل ألا يحتاج القاضي الى الشجاعة لتطبيق القانون فتلك مهمته التي تدفع له الدولة مقابلا للقيام بها، ثم ان القانون يحميه في كل الأحوال، لكن كل هذا مجرد كلام نظري لا أثر له في الواقع، فالقاضي يخشى تطبيق القانون، وقد يستفيد مقابل إصدار احكام في اتجاه معين يحبذه من يصدرون الأوامر الفوقية، وكل هذا ناتج عن وضع سياسي يجعل الدولة تسير خارج القانون، وهذه حقيقة أقر بها الخطاب السياسي يوم اعتمد مصطلحات من قبيل "العصابة" و"القوى غير الدستورية" لوصف من يتولون مناصب سامية في الدولة.
ان مطالبة القضاة بتطبيق القانون دون الالتفات إلى مسؤولية السلطة القائمة في ضرب استقلالية القضاء هي في حقيقتها دعوة إلى استمرار وضع يقوم على فرض ارادة الاقوى دون مراعاة للقانون، وبدل ذلك سيكون من النزاهة السعي إلى تغيير نظام سياسي قائم على الهيمنة على المجتمع بالقمع والرشوة وخنق الحريات، فمعركة الحرية الكفيلة بتحرير المجتمع يجب أن تضع تفكيك هذا النظام كهدف أساسي من خلال بلوغه يتحرر القضاء والاعلام والجامعة وهي القطاعات التي تستعمل الآن لكسر إرادة الجزائريين في التغيير وإعاقة تنظيم المجتمع بما يسمح للنخب الجديدة بفرض نفسها كقوى سياسية مؤثرة.
الجزائر اليوم ليست بحاجة إلى بطولات فردية في القضاء والاعلام وسائر القطاعات بقدر ما هي بحاجة إلى بناء نظام جديد يقطع مع مفهوم للحكم يقوم على إخضاع المجتمع بالقوة والإكراه.
شوهد المقال 432 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك