نجيب بلحيمر ـ نظام الفساد الجزائري
بواسطة 2019-06-10 22:31:46

نجيب بلحيمر
قضايا الفساد التي يجري التحقيق فيها تغطي قطاعات كثيرة، فقد تبين أن تركيب السيارات الذي جرى تقديمه على انه خيار اقتصادي مدروس سيسمح بنشوء صناعة السيارات في الجزائر، لم يكن إلا امتيازا منح لفئة من الأثرياء المقربين من السلطة، وبالأمس بدأ التحقيق مع رجل الأعمال محي الدين طحكوت، وهو الآن رهن الحبس المؤقت، في قضايا تتعلق بالحصول على امتيازات في قطاع تركيب السيارات وفي الخدمات الاجتماعية.
لعل أول ما يقفز إلى أذهاننا ونحن نتابع أخبار استدعاءات رجال الأعمال والإطارات وكبار المسؤولين السابقين للتحقيق في قضايا الفساد هذه، هو الحديث الذي كان متداولا حول الشبهات التي تحوم حول مشاريع تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، لكن ذلك الحديث بقي مصنفا ضمن ما يصفه الخطاب الرسمي بالإشاعات المغرضة التي يروجها من يريدون التشويش على الجهود المخلصة التي تبذل من أجل تنمية البلاد.
ما تحرك القضاء للنظر فيه اليوم كان محل شبهة منذ سنوات، وهذا يعني ببساطة أن القضاء كان مقيدا ولم يكن يسمح له بالتحرك، وهذا يضع القضاة أمام مساءلة أخلاقية كبيرة، فضلا عن أنه يمثل امتحانا أيضا لوسائل الإعلام وللنظام القائم ككل، ويكشف حجم الفساد الذي غرقت فيه البلاد والذي تحول إلى نظام قائم بذاته له تراتبيته وقوانينه وغطاؤه السياسي الذي يجعله محصنا من أي ملاحقة، وحتى المحاكمات الآن قد تتوقف عند مستوى معين لأن الآثار قد تطمسها الأوامر الشفوية التي تأتي عبر الهاتف.
نظام الفساد خلق شبكات كبيرة هي الآن تسير مصالح ضخمة سيتطلب تفكيكها وقتا طويلا وعملا شاقا، ولن يضمن هذا التفكيك عدم عودة هذه الشبكات مجددا لأن الأمر يتعلق بنظام قائم بذاته يستفيد من عدة تشريعية متكاملة ويقوم على أسلوب تسيير تكرس عبر عقود من الزمن ثم إنه يستفيد من شبكات لها علاقات معقدة بحكم سيطرتها على الإدارة وهي الآن مستفيدة بدرجات متفاوتة من هذا النظام وتقاوم من مواقع مختلفة من أجل استمراره.
إن التغيير الجذري لمنظومة الحكم هو السبيل الوحيد للقضاء على الفساد الذي لا يمكن اعتباره مجرد آفة ناجمة عن سلوك منحرف لمسؤولين بقدر ما هو نظام قادر على استقطاب المسؤولين وإدماجهم في شبكات الفساد، وسيكون تحرير القضاء في إطار فصل حقيقي وكامل بين السلطات من ضمن شروط تفكيك هذا النظام الذي تبقى إزالته من ضمن الأهداف المعلنة للثورة السلمية التي يخوضها الجزائريون.
شوهد المقال 496 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك