صحيفة الوطن الجزائري : نجيب بلحيمر ـ سلطة بلا صوت نجيب بلحيمر ـ سلطة بلا صوت ================================================================================ نجيب بلحيمر on 04:38 02.06.2019 نجيب بلحيمر أحكمت السلطة الفعلية قبضتها على الهوامش الضيقة لحرية الإعلام التي تحققت بفضل الثورة السلمية، وعادت القنوات التلفزيونية الخاصة إلى ممارسة عاداتها القبيحة في الدعاية والتضليل طلبا للدعم واتقاء لغضب من يحكمون البلاد.تصور قيادة الجيش للدور الذي يتعين على وسائل الإعلام أن تلعبه، والذي فصله رئيس الأركان في خطابه الأخير، تجسد حرفيا في تغطيات الجمعة الأخيرة، وفي اختيار المتدخلين عبر هذه القنوات وهم في معظمهم من محترفي تزكية خطابات السلطة والذين يعيدون إنتاج الخطاب الرسمي ببلاهة منقطعة النظير.يكشف الإصرار على تحويل الإعلام العمومي والخاص إلى أبواق للدعاية عن رؤية تجاوزها الزمن تقوم على اعتبار التلفزيون أداة حاسمة في توجيه الرأي العام، وهذه رؤية لا تستوعب التحولات العميقة التي حدثت في المشهد الإعلامي وعلى مستوى المجتمع، تحولات فرضتها التكنولوجيا التي جعلت الإعلام البديل الذي يتخذ من منصات التواصل الاجتماعي قنوات له، يحتل الساحة بشكل كامل.ويشمل هذا القصور أيضا قراءة الثورة السلمية من حيث الأسباب التي سرعتها والأدوات التي جعلتها أكثر تنظيما وقدرة على التكيف مع مناورات السلطة. فالدرس الأهم الذي كان لابد من استيعابه هو ان الجزائريين أوجدوا لأنفسهم فضاءات حرة للنقاش وتبادل المعلومات والأخبار تجعل وسائل الإعلام التقليدية الواقعة تحت هيمنة السلطة عديمة التأثير بل إنها صارت عبئا على الجهات التي تروج لها باعتبار انها فاقدة للمصداقية.قد يكون رئيس الأركان سعيدا بمنع بث الشعارات المناوئة له، والتي يرددها المتظاهرون في الشوارع كل جمعة، لكن ذلك لن يغير حقيقة موقف المتظاهرين منه ومن الصحافة التي لا تنقل الحقيقة والتي تتقاسم معه النقد اللاذع ويطرد مراسلوها من المظاهرات بسبب تغطيات منحازة وغير موضوعية.سيضطر الجيش عاجلا أو آجلا لتقديم خطة للحل، وسيكون بحاجة إلى تسويق خطته عبر وسائل الإعلام، وحينها سيكتشف أن تلك القنوات لا تملك المصداقية التي تؤهلها للعب هذا الدور، وقد تجد الخطة المقترحة مقاومة من قبل الشارع تزيد في تعقيد عملية صياغة حل وتجسيده.مثلما أدى تصحير الساحة السياسية إلى غياب قوى قادرة على تنظيم المجتمع ولعب دور الوسيط بينه وبين السلطة، فإن قمع حرية الإعلام جعل السلطة بلا صوت مسموع وهذا قد يسرع عملية انهيار هذا النظام الذي يعيش خارج العصر، لكنه قد يجعل كلفة هذا الانهيار أكثر ارتفاعا.