نجيب بلحيمر ـ الصامتة التي أزعجها الكلام
بواسطة 2019-04-25 02:12:14

نجيب بلحيمر
تهديد الصحافة يعكس المأزق الذي وقعت فيه السلطة الفعلية, والمطلوب الآن ليس إسكات الصحافيين ومنعهم من تقديم قراءات مختلفة لخطاب رئيس الأركان, بقدر ما تجب صياغة خطاب واضح بأهداف محددة يجعل الرسالة غير قابلة للتأويل والتحريف.
المشكلة لها وجهان, الأول تقني ويتعلق بالاتصال, فالمؤسسة العسكرية ليست لديها تقاليد في هذا الميدان, ومثل بقية جيوش العالم فوصف الصامتة الكبرى جاء أصلا من قلة التواصل والتوجه إلى الجمهور مباشرة, وحتى في حالات الحروب تكون البيانات العسكرية مقتضبة ودقيقة وتقنية, والضغط الذي وضع تحته الجيش بسبب الأحداث تطورات الثورة السلمية أدى إلى ارتكاب أخطاء في الاتصال.
الوجه الآخر للمشكلة سياسي, فالجيش الذي وجد نفسه في واجهة الحكم لم يكن يملك خطة جاهزة لتسيير هذا الوضع, ونلمس هذا في عدم وضوح الخطة التي يعمل الجيش على تنفيذها, وقد نجد بعض التبرير لهذا الغموض في محاولة التعامل مع تسارع الأحداث وتطورها.
يحاول خطاب رئيس الأركان أن يمزج بين ما يراه الجيش خطة للحل والحرص على إرضاء الشارع, وهذا يخلق في كل مرة فجوة بين الخطاب والقرارات التي تنفذ على الأرض, لأن الخطة تنفذ على الأرض في حين أن إرضاء الشارع واستمالته يكون بكلام عام وحمال أوجه كالتعهد بحماية المتظاهرين, ومرافقة الشعب من أجل تحقيق مطالبه.
الخطاب الأخير كان أكثر وضوحا لإنه تحدث عن خارطة طريق مفصلة تتمثل في التمسك بخيار الانتخابات ودعم بن صالح والحكومة, ومن الطبيعي أن تكون ردود الأفعال سلبية, ولأن خارطة الطريق هذه تثير الشكوك في حقيقة الالتزام بتحقيق مطالب الشعب, والتي من ضمنها رحيل بن صالح والحكومة, فقد اضطر ذلك الجيش إلى توضيح آخر مع اتهام الصحافة بتقديم قراءة مضللة.
يبدو أن الجيش لا يرغب الآن في تقديم خارطة طريق واضحة المعالم لأن ذلك قد يضعه أمام رد رافض من جانب المتظاهرين مع كل ما يعنيه ذلك من كلفة سياسية, وبدلا عن ذلك يفضل المراهنة على الوقت وتسيير التفاصيل في انتظار فتور الثورة السلمية, أو نضج حل بديل.
الجيوش وجدت لحماية الدول وليس للحديث إلى الشعوب, والحل بالنسبة للمؤسسة العسكرية هو تسهيل عملية الانتقال للعودة إلى المهام الدستورية التي تحميها بجعلها بعيدة عن السباسة.
شوهد المقال 475 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك