نجيب بلحيمر ـ الجيش في زمن "القائد"
بواسطة 2019-04-11 00:39:07

نجيب بلحيمر
لا نعلم كيف سيقرأ رئيس أركان الجيش المظاهرات بعد اليوم، فخطابه الأخير أظهره كحاكم مطلق للبلاد رغم كل ما قيل ويقال عن ضرورة احترام الدستور والذي اتخذ مبررا لفرض وجوه عهد بوتفليقة للإشراف على تنظيم الانتخابات.
تحدث قايد صالح عن المظاهرات، وعن الجهات الأجنبية دون أن يسميها، وخاض في مسائل القضاء ومحاربة الفساد، وقدم الوعود التي لا يقدر على تقديمها أي عسكري حتى في بلاد تخضع لحكم انقلابيين أخذوا شعبهم على حين غرة بقراءة البيان رقم 1 على شاشة التلفزيون.
لم ينتبه قايد صالح، أومن كتب خطابه، إلى أن التشبث بالدستور يحظر على رئيس الأركان الخوض في السياسة، وأن لا سلطة للعسكر على القضاء الذي ينص الدستور على استقلاليته، وأكثر من هذا لم ينتبه إلى أن تدخله الفج فيما لا يعني الجيش أسقط تلك الحجة التي يستعملها أنصار الحذاء الثقيل لتبرير إصرار رئيس الأركان على تطبيق المادة 102 بهذه الطريقة المشوهة التي أفرغت استقالة بوتفليقة من محتواها، فهؤلاء يقولون بأن هذا الخيار فرض عليه حتى يسقط حجة الانقلاب التي قد يستعملها الخارج للمساس باستقرار البلاد ومؤسستها العسكرية.
يعلم الجزائريون، وعلى اختلاف مستوياتهم ومواقعهم، أن السلطة الفعلية في بلادهم هي للجيش، وكثير منهم يضع هذا الأمر في سياق تاريخي ارتبط بالثورة وبناء الدولة الجزائرية بعد الاستقلال، ولذلك مثل الجيش كمؤسسة بالنسبة لهم موضوع إجماع نلمسه في الشعارات التي يرفعها المتظاهرون منذ بداية هذه الثورة الشعبية السلمية، وقد يجد البعض صعوبة في تفسير هذا الإجماع على مكانة المؤسسة رغم الحرب المأساوية التي شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي.
والحقيقة أن الجزائريين حتى عندما اختلفوا سياسيا نسبوا قرار وقف المسار الانتخابي وإجهاض التحول الديمقراطي في سنة 1992 إلى قيادة الجيش، وهم يذكرون هؤلاء بأسمائهم، ويخبر هذا الفصل عن الوعي بمكانة المؤسسة وما تمثله بالنسبة لاستمرار الدولة، ومن سار في الشوراع خلال الأسابيع الماضية وتمعن في شعارات المتظاهرين يكون قد لاحظ ذلك الفصل بين شخص قايد صالح والجيش في هذه الشعارات، لكن على عكس المرات السابقة لم يعد هناك أي ذكر لمجموعة من الجنرالات بل يتم توجيه النقد إلى رئيس الأركان شخصيا.
لم يحدث أن تحدث قائد عسكري باسم الجيش واختزل المؤسسة في شخصه كما فعل قايد صالح، وقد مثل بيان 30 مارس الماضي علامة فارقة بهذا الخصوص حيث نجد فيه فقرات يتحدث فيها رئيس الأركان عن نفسه باعتباره مجاهدا، وتذكيرا بتعهداته الشخصية، وتكرر الأمر في وهران أمس عندما فسر رمزية حضوره شخصيا التمارين التي تنفذها القوات المسلحة، ولا يكاد تخلو كلمة له من استعمال مفرط لضمير المفرد المتكلم.
هذا الظهور له ما يفسره على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد السياسي حيث كان نتيجة منطقية لغياب بوتفليقة بسبب العجز والمرض، لكن ثمنه السياسي كان عاليا، فقد جعل قايد صالح يظهر بصفة الحاكم الفعلي للبلاد وبالتالي وضع مؤسسة الجيش كلها كطرف فيما يجري منذ 22 فيفري، فالمطالب التي رفعها الشارع كانت موجهة إلى النظام ولذلك اضطرت السلطة الفعلية إلى الدفع باتجاه استقالة بوتفليقة في محاولة لتجاوز العقدة غير أن الخيار الشخصي لقايد صالح بفرض العهدة الرابعة ومحاولة فرض العهدة الخامسة وضع المؤسسة العسكرية في وضع صعب.
بعد خطاب العاشر أفريل لم يعد هناك من شك في أن الصيغة التي اعتمدت في تطبيق المادة 102 تهدف إلى استمرار نفس أسلوب الحكم، وهذا الخيار الذي يرفضه الجزائريون بوضوح، بات واضحا انه خيار قايد صالح والذي لا مفر من نسبته إلى المؤسسة العسكرية، وهذا يعني بوضوح أن المظاهرات المستمرة والتي تعبر بوضوح عن رفض بن صالح وبدوي وحكومته وبلعيز ومجلسه الدستوري هي في النهاية تعبير عن تصادم واضح بين مطالب الشعب وخيار الجيش الذي صاغه قايد صالح وجاء على عكس تعهده باحترام مطالب الشعب والعمل على تجسيدها.
إن الاختبار الذي يمر به الجيش اليوم يبين لنا لماذا يجب أن يكون الجيش بعيدا عن السياسة، فذلك هو السبيل الوحيد الذي يحقق الإجماع حوله ويجعله فوق التحزب والإيديولوجيا وكل ما يمكن أن يسبب التفرقة، ومن هنا تصبح إعادة الجيش إلى الثكنات الضمانة الأساسية لحمايته وحفظ علاقته المتينة بالشعب، ثم إن تضخم دور الفرد والشخصنة يعد منافيا لروح المؤسسة التي نجدها في القوانين، وهي التي تضمن لها الاستمرارية والاستقرار، وإذا كان تورط الجيش في السياسة يمكن فهمه في سياق تاريخي معروف، فإن الشخصنة التي نقرأها في خطابات رئيس الأركان، ونراها في سلوكه يجب أن تقرأ ضمن الآثار التي ترتبت على حكم بوتفليقة، وهي آثار يجب الشروع في إزالتها فورا قبل أن تصبح ندوبا عميقة في جسد الأمة الجزائرية، والسعي إلى تصحيح هذا الوضع يجب أن يهتدي بسعي الجزائريين إلى بناء نظام مفتوح تكون السيادة فيه للشعب ويعلو فيه القانون على الجميع.
شوهد المقال 560 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك