عثمان لحياني ـ أكتوبر.. النص والمؤسسة
بواسطة 2018-10-08 01:20:21

عثمان لحياني
حقق أكتوبر 1988 بغض النظر عن ملابساته منجز تغيير النص المؤسس لما بعد أكتوبر ، تغيّر الدستور(فبراير1989) وفُتح باب التعدديات ، لكنه لم ينجز تغيير المؤسسة الحاكمة ، لم يكن ممكنا أن يصنع حماة الفكر الأحادي المؤسسة الديمقراطية ، كان النظام الريعي غارقا في متاهة سياسية وأزمة اقتصادية واحتقان اجتماعي متصاعد ، استبق النظام الانفجار بانفجار يمكن التحكم في حدوده القصوى ، وكان قد جهز البديل لانشاء واجهة ديمقراطية دون مرتكز حقيقي.
لم تكن أي من القوى الثورية التي أتاح لها أكتوبر 1988 البروز دور في صياغة الوثيقة الدستورية المؤسسة لمرحلة التعدديات الثقافية والسياسية والنقابية والاعلامية والمبادرة الاقتصادية ، ولا أي دور في وضع مرتكزات المؤسسة الديمقراطية، انفرد النظام بصياغة النص الدستوري ووضع قواعد اللعبة واشتراطاتها، قبلت جميع هذه القوى بقواعد اللعبة وبأن تكون شريكة في ديمقراطية عقيمة وغير منتجة للقيمة المضافة على صعيد تعديل منظومة الحكم وآلية اتخاذ القرار والخيارات الكبرى والشفافية في ادارة الشأن العام وتكافؤ للفرص .
وبدلا من أن تتوجه قوى أكتوبر الى مطلب اعادة بناء الدولة ، من خلال اطار تأسيسي حداثي ، واعادة صياغة مواثيقها ونصها الدستوري ، وتشكيل مجتمع مدني مساعد للبناء الديمقراطي ، كشف كل منها (القوى الثورية) سريعا على لائحة مطالبه السياسية والثقافية ، وتلبس كل منها شعارات ومفاهيم لم تكن ذات أولوية ،استرد النظام هذه المطالب والشعارات نفسها، ونجح في تبنيها وتحويلها الى ورقة ابتزاز معاكسة ، بل ان للنظام وجد أن سقف هذه المطالب والشعارات لم تكن عميقة بالقدر الذي يهدد أسس النظام السياسي الريعي والشمولي .
لم تكن الديمقراطية وصفة تاريخية قابلة للتنفيذ على الحالة الجزائرية بظروفها تلك ،فمابال اذا كانت أصلا وصفة مغشوشة يقدمها النظام طبيبا ، وهو صانع الأزمة والمرض في الوقت نفسه ، ومع ذلك قدمت قوى أكتوبر فرصة سانحة للنظام لاستعادة النفس ، تهور الاسلاميون فقدم النظام نفسه للعلمانييين كبديل وحامي للجمهورية ، وتطرف العلمانيون فقدم النظام نفسه للاسلاميين كحامي للقيم ، لم يربح الاسلاميون القيم ولم يكسب العلمانيون الجمهوية ، وحده النظام احتكر القيم والجمهورية ومرجعية نوفمبر والتف على منجز التعددية أكتوبر ..فاتت الفرصة لكنها لم تعدم ، علمتنا تجربة أكتوبر أن تغيير النص دون تغيير المؤسسة ، هو كتابة انشائية للديمقراطية.

شوهد المقال 4208 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك