نجيب بلحيمر - الأفلان ونهاية السياسة في عهد بوتفليقة .. ملاحظات غير جديرة بالنشر !
بواسطة 2015-05-31 03:27:38

نجيب بلحيمر
بدأت قصة جبهة التحرير مع الانقلابات بالمؤامرة العلمية التي أطاحت بالأمين العام الأسبق عبد الحميد مهري، وقد نفذ المؤامرة فريق من رموز الحزب بإيعاز من السلطة الحاكمة، وقد لعبت المؤسسة الأمنية دورا حاسما في التخطيط للعملية وتنفيذها، وتكرر الأمر مرة أخرى مع الأمين العام علي بن فليس الذي خسر قيادة الحزب بعد أن خسر الانتخابات الرئاسية سنة 2004.
في الحالتين كان الخلاف داخل الحزب يدور حول الموقف من السلطة، أو من الصراعات، الحقيقية أو المفترضة، التي تدور بين أجنحة هذه السلطة، فقد تمت إزاحة عبد الحميد مهري لأنه عارض سياسة الكل أمني التي انتهجتها السلطات في معالجة الأزمة الناجمة عن إلغاء المسار الانتخابي في جانفي 1992، ولأنه سعى إلى تحويل الجبهة إلى حزب سياسي حقيقي بعد أن بقيت أداة في يد السلطة، في حين أن علي بن فليس أسقط من قبل معارضيه لأنه تحدى بوتفليقة وأراد أن ينافسه على منصب الرئيس، وقد اعتقد أنصاره أنهم يحظون بدعم المؤسسة العسكرية التي أشيع أن قسما منها يقف وراء ترشح بن فليس للانتخابات.
هذا يدفع إلى الاستنتاج بأن الانشقاقات التي تحدث داخل الحزب تقف وراءها السلطة، أو جهة ما في السلطة، وهو ما يعني أن لا علاقة لها بالحراك السياسي الذي يعكس اختلافا في الرؤى، وقد أثبتت التجربة أن كل الأطراف التي لا تسندها السلطة تفشل في مساعي السيطرة على الحزب.
في حالتين أخريين حدث انقلاب بضجيج أقل، الحالة الأولى هي عندما أزيح بوعلام بن حمودة في شهر سبتمبر 2001 ليحل محله علي بن فليس الذي كان يرأس الحكومة آنذاك، وقد كان بوتفليقة هو صاحب القرار، ولأن بن حمودة يعرف بوتفليقة جيدا فقد انسحب في صمت رغم محاولاته البقاء إلى ما بعد الانتخابات التي جرت في شهر ماي من سنة 2002، أما الحالة الثانية فكانت إسقاط عبد العزيز بلخادم من الأمانة العامة بسحب الثقة، وقد استفاد المعارضون من رفع بوتفليقة لدعمه عن بلخادم بسبب حسابات سياسية تتعلق بالرئاسة مجددا، وقد ربط بلخادم مصيره السياسي ببوتفليقة إلى درجة جعلته غير قادر على مقاومة المعارضة التي أجهزت عليه باسم الرئيس.
ما تعلمه الأعضاء القياديون في الأفلان، أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي، والمنتخبون، في عهد بوتفليقة، هو أن البقاء مرتبط بإعلان الولاء للرئيس، وقد كان درس 2004 قاسيا، فبعد الانتخابات الرئاسية مباشرة تم إلغاء نتائج المؤتمر الثامن وأعيد تنظيم ما سمي المؤتمر الجامع، وقد طلب بلخادم آنذاك من أنصار بن فليس أن ينسحبوا إلى المقاعد الخلفية، لكن هؤلاء، وعلى رأسهم عبد الرحمن بلعياط وعبد الكريم عبادة، اختاروا طريقا آخر، هو منافسة بلخادم وجماعته في إظهار الولاء لبوتفليقة، وهذا أدى إلى ظهور شكل غير مسبوق من المعارضة داخل الحزب، معارضة لا تقوم على رفض سياسات الحزب، بل على الالتزام بعدم تغيير خط الحزب والذي اختزل في دعم بوتفليقة.
هذا الوضع الشاذ جعل الخلافات في الأفلان تتحول إلى صراعات شخصية، فلا حديث عن البرامج والأفكار، حتى أن دعم بوتفليقة وتزكية سياساته صار نقطة الإجماع التي تلتقي عندها كل قيادات الأفلان، وكانت النتيجة هي أن بوتفليقة صار بوسعه أن يسير الحزب بالإشارة، يقرب من يشاء ويبعد من يشاء، وانتقلت هذه السلطة إلى الجماعة الحاكمة باسمه منذ تعرضه للنوبة الإقفارية التي أنهت عمليا عهده.
قد تكون هذه الخلفيات مفيدة في فهم أسباب نجاح سعداني في تجاوز خصومه، في حين فشل في ذلك أمناء عامون سابقون، فالذين يعارضونه لا يقدمون بديلا، بل يطلقون إشارات في اتجاه الجماعة الحاكمة، وهم في كل الأحوال سيرضون بما تقرره، وسيدخلون في سبات قبل تكرار المحاولة عندما يشعرون بأن الوقت قد حان لجس النبض مجددا.
حالة الأفلان تلخص الوضع الذي آلت إليه السياسة في الجزائر، وكيف يتحول تمجيد الرئيس، الذي لا يحكم، إلى ضمان سياسي قوي للبقاء.
شوهد المقال 1527 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك