حميد بوحبيب ـ النسق الذكوري والخيال السياسي
بواسطة 2019-01-30 13:46:07

د ـ حميد بوحبيب
بصرف النظر عن الحملة الانتخابية السابقة لأوانها(التي تغذى لصالح الجنرال الغديري) يتعين علينا أن ننظر أبعد ، إلى عمق البنيات الأنثروپولوحية المتحكمة في المخيال السياسي الجمعي .
إن نسق الفحولة الراسخ في قيم البداوة ، أنتج أنموذج الفتوة على مر التاريخ الذكوري ، وكرس صورة القائد الفحل ، بتجلياته الجنسانية الظاهرية والخفية ( ملامح الشباب ، جرأة ، نزق وتحدي ، جسد نابض بالنشاط ...الخ)...
ولكن هذا النموذج تم كبته وردمه تحت أنقاض الأدلوجة الأبوية التي مجدت كبار السن ، الأسلاف ، أصحاب الشرعية التاريخية ، فحصلنا على قادة يميزهم العجز والمرض والاهتراء البدني والترهل ...وهي صورة تدل في المخيال الجمعي على نقيض الفحولة على جميع المستويات: ضعف جنسي، حضور شبحي ، وانبطاح سياسي خارجيا، وزوال هيبة الدولة داخليا...
مثل هذا النموذج الجيرنتوقراطي لم يعد مناسبا للبنيات الانثروپولوجية لمجتمع أغلبه من الشباب، اي النقيض الوجودي لصورة الأب المريض.
وكلما حدثت مواجهة بين النموذجين على المستوى السياسي، تعود إلى الواجهة دعوات القطيعة مع الأسلاف المؤسسين ، ليس لأنهم غير قادرين على العطاء سياسيا فحسب، بل لأنهم تجسيد أوديپي يجب التخلص منه .
هكذا ترون اليوم انموذج الجنرال الفحل النابض بالحياة ، المتحدي....يستقطب مساندة شرائح واسعة من المجتمع، بما في ذلك بعض المحسوبين على المعارضة والثقافة ....
هذه الظاهرة ليست خاصة بمجتمعات العالم الثالث...إذ نجدها في أوربا الشرقية بوضوح ، وتتأجج أكثر كلما قلت البدائل الموضوعية الفعالة على مستوى الحراك السياسي الشعبي ، وفي غالب الأحيان تصاحبها نزعة وطنية وشعبوية لا يفصلها عن اليمين المتطرف سوى خيط رفيع .
أنموذج الجنرال اليافع القوي هو في النهاية استجابة سياسية لرغبة التخلص من الأب المريض الذي لا يريد التخلي عن الصولجان.
والخطر في مثل هذه الاستجابات النزقية للجماهير والنخبة على حد سواء ، هو أنها تعيدنا دوما إلى النموذج البدئي ، أي إلى براديغم الموالاة للقوي وليس لمن هو أصلح ، بدليل أن مساندي الغديري الآن لا يعرفون شيئا عن برنامجه...ولا يهمهم أن يعرفوا أصلا ، مادام يتناسب مع الآليات اللاواعية التي تتحكم في مخيالهم السياسي المريض.
شوهد المقال 979 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك