صحيفة الوطن الجزائري : ناصر جابي ـ كورونا حراك وعدم ثقة ناصر جابي ـ كورونا حراك وعدم ثقة ================================================================================ randi on 02:55 17.03.2020 د. ناصر جابي أكدت مسيرات الجمعة 56 ما كان معروفا، عند خرج مئات الآلاف من الجزائريين والجزائريات في 46 مدينة للمطالبة بمطالبهم السياسية المعروفة، منذ انطلاق الحراك في 22 فبراير/شباط من السنة الماضية: عدم الثقة المطلق من قبل فئات اجتماعية واسعة في خطاب السلطة، حتى وهي تتكلم عن وباء كورونا ومخاطرة الجدية على الصحة العامة، كوباء يعرف انتشارا واسعا، في دول عديدة. سلطة متهمة من قبل الرأي العام الوطني بأنها أكثر اهتماما بوقف الحراك الشعبي من أي شيء آخر، بما فيها صحة المواطنين، التي لم تعمل الكثير للعناية بها، كما تؤكده وضعية المنظومة الصحية المتدهورة. يحصل هذا في وقت ترفض فيه السلطة نفسها القيام بأي إجراءات جدية للتهدئة أو القبول بمطالب الحراك المقدور عليها، يمكن ان تساهم في تخفيف حدة الاستقطاب بينها وبين المواطنين بعد، منذ الانتخابات الرئاسية وتنصيب رئيس جديد. بالعكس تماما ما يلاحظ هو زيادة حدة التحرش بالحراك كل أسبوع، وارتفاع منسوب الاعتقالات، التي مست هذه المرة صحافيين، كل ذنبهم قيامهم بأداء واجبهم المهني، كما حصل مع الصحافي خالد درارني، الموضوع تحت الرقابة القضائية، بتهمة تهديد الوحدة الوطنية والحث على التجمهر، ليعاد اعتقاله 72 ساعة، بعد الإفراج المشروط عنه، وكأنه هو الذي ينادي كل أسبوع الجزائريين إلى التظاهر في الشوارع . المطلوب من النظام وممثليه، الاقتناع أخيرا بأن الجزائريين ينتظرون إجراءات ملموسة تطبق على الأرض يحصل كل هذا في غياب شبه كلي للرئيس الجديد، الذي كان يمكن ان يأخذ الكلمة هذه الأيام لمخاطبة الجزائريين وتطمينهم باتخاذ إجراءات جدية، يمكن ان يتم الإعلان عنها بسرعة، كفتح الإعلام الوطني أمام المواطنين، والحد من الاعتقالات التعسفية، التي توسعت هذا الأسبوع لتشمل طلبة أخذوا ليلا من منازلهم. إجراءات أولية ضمن سياسة تطمين طالب بها الحراك منذ أكثر من سنة. رئيس على العكس ذهب في اتجاه آخر مخالف تماما، وكأن الجزائر تعيش وضعا عاديا، يسمح بهذه الرؤية التسويفية. كتعديل الدستور الذي يعرف الجزائريون أنه يمكن أن يُخترق بسهولة منقطعة النظير، كما قام بذلك كل رؤساء الجزائر السابقين وعلى رأسهم بوتفليقة، الذي عدًل الدستور للبقاء في الحكم لأكثر من عهدتين، بواسطة رسالة وجهها للبرلمان، من دون حضوره لإلقاء كلمة أمام النواب، الذين صادقوا برفع الايدي على الاقتراح في أقل من خمس دقائق. سياسات جعلت الجزائريين يفقدون الثقة تماما في ما يقوله ويقرره السياسي الرسمي، حتى وهو يقول إن وباء كورونا خطير، وإنه يمكن أن يهلك الناس. انتشار وباء كورونا دوليا ووصوله إلى الجزائر ـ رغم محدودية انتشاره وطنيا حتى الآن ـ يتطلب من الجزائريين مواطنين وسلطة الكثير من الحكمة، قد يكون من بينها التعليق المؤقت للمسيرات الشعبية، والتفكير في أشكال احتجاجية بديلة، لا تطفئ شعلة الحراك الشعبي، كما طالب بذلك الكثير من الوجوه الحراكية الصادقة. مقابل سلطة لا يثقف فيها المواطن ويعرف بالسليقة، أنها غير صادقة، وأن هدفها الأساسي والوحيد هو إيقاف الحراك، باستغلال هذه الفرصة التاريخية التي نزلت عليها من السماء. انتشار وباء كورونا، قرار تعليق المسيرات مؤقتا الذي يجب ان يتم التداول فيه جماعيا بين أبناء وبنات الحراك، لأخذه بسرعة حتى تكون نتائجه مضمونة على مستوى الحد من انتشار الوباء وطنيا، وقبل ان تستفحل الأمور، لا قدر الله، ليكون التعليق جماعيا ووطنيا، كما كان وما يزال الحراك.في المقابل ما هو مطلوب من السلطة يبقى هو الأساس وبحدة الاستعجال نفسها، وربما أكثر. فالمطلوب من النظام وممثليه، الاقتناع أخيرا بأن الجزائريين ينتظرون إجراءات ملموسة تطبق على الأرض، تعيد لهم جزءا ولو بسيطا من الثقة في ما يقوله ويفعله هذا النظام. إجراءات تدخل في صلاحيات الرئيس والحكومة المعينة، لا تتطلب لا تشاورا ولا مفاوضات مع أي طرف. يكفي أن يعلن الرئيس أنه قرر أن يفتح الإعلام الوطني أمام الجزائريين للحوار حول أوضاعهم السياسية، بدل الخروج إلى الشوارع للقيام بذلك كل يوم جمعة. كما يكفي للرئيس ان يأمر بالتقيد باستقلالية القضاء – حتى في ظل القوانين الحالية وقبل أي تعديل – وأن القاضي ليس في حاجة إلى تعليمات من أي جهة كانت. للحد من تغول الأجهزة الأمنية الذي تحدث عنه المحامون هذا الأسبوع، وهم يعاينون في المحاكم ما يحصل مع الموقوفين من صحافيين وناشطين سياسيين. يكفي أخيرا كإجراء مستعجل توقيف الاعتقالات والبدء في إطلاق سراح المحبوسين من شباب الحراك، رجالا ونساء.إجراءات تطمين وتهدئة، مقدور عليها من قبل الرئيس الحالي، يمكن أن يتخذها بسرعة، في انتظار مشاريع “الإصلاحات” الأخرى كتعديل الدستور، وما ينتظر ان يأتي بعد ذلك على مستوى القوانين المنظمة للانتخابات والأحزاب، إلخ. خلال هذه الفترة المرشحة لاستقطابات اجتماعية وسياسية عالية، جراء الوضع الاقتصادي والمالي للبلد، بعد تدهور أسعار البترول، بكل ما يمكن ان يترتب عنه كإكراهات من كل نوع، في مجتمع سكت كثيرا عن مطالبه الاقتصادية والاجتماعية، لإعطاء أسبقية للمطلب السياسي الأم. تغيير النظام وبناء مؤسسات شرعية. إجراءات مطلوبة تٌخرج السلطة من منطق التسويف والتذاكي الذي ميزها حتى الآن، وهي تتعامل مع الحراك الشعبي الذي جربت معه كل ما توفر لديها من حيل وإمكانيات مادية وسياسية، فشلت كلها مع الوقت، واستمر الحراك في سلميته ووطنيته وشعبيته لأكثر من سنة. سلطة لم تتورع على اللعب على ما اعتقدت أنها نقاط ضعف تميز المجتمع الجزائري بهدف إضعاف الحراك وإخراجه عن مساره السلمي ووطنيته، كما فعلت ـ بنجاح متفاوت ـ مع كل الحركات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المجتمع الجزائري تاريخيا. تحاول الآن استعمال انتشار وباء كورونا مقرونا بالقمع وتجنيد ما تبقى لديها من ذباب إلكتروني وإعلامي، عاد بقوة هذا الأسبوع للتهويل من آثار الوباء والظهور كذبا بمظهر من يخاف على صحة الجزائريين.سيتخوف بعض الجزائريين من هذا الاقتراح الداعي الى تعليق المسيرات، لعدم ثقتهم في السلطة الحالية التي ستكون أمام فرصة، للالتفاف على كل الإصلاحات ومطالب التغيير، التي لم ننجح في تحقيقها كحراك حتى الآن. وليس بسبب عدم الثقة في أنفسهم وفي قدرات شعبهم الذي لن يعود، مهما كان الثمن الذي سيدفعه الى الوضعية التي كان عليها قبل 22 فبراير2019. باعتباره ذلك أهم إنجاز حققه هذا الحراك الشعبي الذي خرج فيه الجزائريون بقوة وهم مدركون، منذ الوهلة الأولى أن تغيير نظامهم السياسي لن يكون سهلا وسيأخذ وقتا بسبب ما يميز هذا النظام بالذات الذي كان دائما عصيا على التغيير. جريدة القدس العربي اللندنية