مهدي براشد - دولاكروا وبيكاسو وعلي حداد

مهدي براشد
يتزايد، غدا الحادي عشر من ماي، عشاق احتكار التحف التشكيلية بدار كريستيز بنيويورك على إحدى أجمل لوحات رائد التكعيبية الفنان التشكيليالعالمي بابلو بيكاسو "نساء الجزائر". وقد قدرت قيمة هذه اللوحة بـ 140 مليون دولار، لكن العارفين بأروقة المزادات يقدرون أن تتجاوز "نساءالجزائر" هذا المبلغ بكثير، وتحطم الرقم القياسي كأغلى لوحة في العالم، وهو رقم تحوز عليه إلى حد الآن لوحة "ثلاث دراسات للوسيان فرويد"للفنان فرانسيس باكون التي بيعت بـ 142.4 مليون دولار.
"نساء الجزائر" هي آخر لوحة في سلسلة تضم 15 لوحة وتخطيطين، رسمها بيكاسو سنة 1955 تكريما للفنان الفرنسي "دو لاكروا"، فقد كانمعجبا به أيما إعجاب، وهي إعادة للوحة هذا التشكيلي الفرنسي الذي انبهر بسحر الشرق "نساء الجزائر في مخدعهن"، لكنها كانت في الوقت نفسهآخر مرحلة في عملية الهدم التي قام بيكاسو على الصورة الاستشراقية التي رآى بها دو لاكروا المرأة الجزائرية في الحريم الجزائري، في جزائرالشرق المناقض للغرب الذي اكتشف الإغريق من جديد.
لم يكن بابلو بيكاسو التشكيلي الوحيد الذي ولع بالمرأة الجزائرية، فمنذ أن ترجم أنتوان غالان (1646-1715) ألف ليلة وليلة في 1704، تحولتصورة المرأة في الحريم إلى مصدر إلهام للتشكيليين الغربيين الذين لم يجدوا صعوبة في التحول من العري الميثولوجي لدى الإغريق إلى العريالشرقي الغامض الغريب.
وازداد هذا التحول سلاسة مع تنقل هؤلاء التشكيليين إلى إسبانيا واليونان وتركيا وبلدان شمال إفريقيا. فكانت رحلة "أوجين جيرو" (1806-1881)الذي تنقل إلى إسبانيا رفقة ألكسندر دوما الأب إلى إسبانيا وشمال إفريقيا ورسم نص دوما "من باريس إلى كاديكس" (نساء من الجزائر، داخلساحة البيت).
وأوجين دو لاكروا (1798-1863) رسم لوحتين لنساء الجزائر تحت عنوان "نساء الجزائر في مخدعهن" الأولى في 1834 والثانية في 1849.كذلك فعل التشكيلي الفرنسي آنج تيسييه في لوحته "سيدة جزائرية وخادمتها"، وكثير من صور إيتيان دينيه صورت الجزائرية في عدة مشاهد.
لقد أصبحت الجزائر، بعد احتلالها في 1830، محجا للفنانين التشكيليين الغربيين بصفة عامة والفرنسيين بصفة خاصة، تضاهي روما التي كانتمحجا لهم في القرون الوسطى وعصر النهضة. ولولا المجازفة بالقول لقلنا إن الجزائر (شمال إفريقيا) كان مهد الفن التشكيلي الاستشراقي، منذ أنتحول الصراع الديني بين الهلال والصليب من شرق المتوسط إلى غربه. ولعل استقلال الجزائر في 1962 كان منعطفا حاسما في نهاية عصر الفنالتشكيلي الاستشراقي في فرنسا.
تقول الرواية إن (أحد رياس البحر كان يعمل ضمن مصالح المهندس الرئيسي لميناء الجزائر "م. بورال" وكان يهوى الرسم، أقٌنعه المهندسالفرنسي بالسماح لدو لاكروا بالدخول إلى منزله. وعبر دو لاكروا المرفوق بالزوج صاحب البيت، وربما رافقهما بورال، رواقا مظلما يفتح في نهايتهعلى حين غرة على حرم يسبح في هالة من النور غير الحقيقي تقريبا. هناك كانت النسوة والأطفال بانتظاره "وسط أكداس من الحرير والذهب"،زوجة الرايس السابق الشابة الحسناء جالسة وأمامها النرجيلة..." بدا دو لاكروا وكأنه مخدر من المشهد المبسوط أمام ناظريه"، وقال: كما لو كانالأمر في عصر هوميروس"). وعند عودته إلى باريس، عكف دو لاكروا على العمل مدة عامين على صورة تختزنها ذاكرته.
لقد رسم أوجين دو لاكروا "نساء الجزائر في مخدعهن"، بعد سنتين من احتلال الفرنسيين للجزائر، مكرسا فيها تلك النظرة الاستعلائية للمستشرقالذي لم يكن يبحث في سحر الشرق وروائحه غير الجانب الغرائبي، يؤثت به فضاء شوهد المقال 1225 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك