نجيب بلحيمر - التفريط في دماء الشهداء ترسيم النسيان
بواسطة 2015-05-09 04:40:59

نجيب بلحيمر
مرت ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 في صمت، بعد سبعين عاما من الجريمة يتم ترسيم النسيان، فالشعارات الفارغة، والخطابات التي تكررت منذ الاستقلال، استهلكت عن آخرها، وما عاد مناسبا أن نجتر ما قيل منذ سنوات، هراء يعاد انتاجه بالمناسبة، وينقضه السلوك الرسمي بطريقة خادشة للحياء.
تراجعنا خطوة إلى الوراء، لم تعد الأولوية اليوم هي مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها والاعتذار عنها، بل أصبحنا أمام ضرورة فعل شيء ما حتى لا ينسى الجزائريون الجريمة المروعة ضد الإنسانية، وحتى يذكروا بأن الاستقلال كان ثمنه باهضا، وأن حصتنا من الضريبة التي دفعتها الإنسانية ضد كل أشكال الفاشية والإجرام كانت كبيرة، أنفس سقطت في المعركة ضد النازية، ولحقت بها آلاف الأنفس التي أزهقتها الآلة الإجرامية الفرنسية في الثورة على الاستعمار، وبذلك قدم أسلافنا خدمة جليلة بتعرية فرنسا التي طالما تدثرت بقيم الحرية والمساواة والأخوة.
فشلنا العظيم لا يكمن في تقاعسنا عن مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار، بل يعكسه هذا العجز المريع في تمثل القيم الإنسانية العظيمة التي حملها هؤلاء الشهداء الذين قضوا في ساحة المواجهة من أجل الحرية والكرامة، لقد فضح هؤلاء ازدواجية فرنسا، وهي ازدواجية لا تزال قائمة إلى اليوم، تجعل من البشر مراتب وأصنافا، تستبيح دماء وأعراض بعضهم، في حين أنها تدعي حراسة القيم الإنسانية النبيلة.
ولأننا فشلنا في استيعاب الإرث الإنساني العظيم للشهداء، تحول كفاحهم في نظرنا إلى مجرد خطابات جوفاء، وقصص لا يربط بينها رابط، نبثها في كتب مدرسية هزيلة، أو نجمعها في تقرير تلفزيوني رديء لتبث على عجل بالمناسبة وتحال على أدراج النسيان، ولأننا كررنا هذا منذ الاستقلال فقد أفرغنا التاريخ من محتواه الإنساني، وجردنا كفاح الأسلاف من كل معنى يمنحه القدرة على الاستمرار في إلهام كل إنسان يطلب الحرية والعيش الكريم، ولهذا سهل على البعض أن يقايض الأمر كله بعلاقة أكثر هدوء مع الجلاد الذي يستمر اليوم في صورة فرنسا الرسمية المفاخرة بإرثها الاستعماري، والمدافعة عنه بكل عجرفة.
لقد فضح الشهداء فرنسا، وأدانوها أمام محكمة التاريخ، وأثبتوا زيف ادعائها بحمل القيم الإنسانية النبيلة، لكن خلف من بعدهم خلف اختاروا النسيان فتفرقت بهم السبل، وأضاعوا معالم الطريق.
صوت الأحرار الجزائرية
شوهد المقال 1176 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك