سلمى اللواتية ..... و طلَّ البدر..

سلمى اللواتية
الأربعاء الماضي! ومن يصدق أنه قد مضى أسبوع على يوم شخصت فيه القلوب والأبصار لأربع دقائق تستمع فيها لسيد عمان ؟! أربع دقائق أوقفت الزمان، وأدارت عجلة المكان لترحل النفوس كلها نحو ديار الألمان، منذ أسبوع و حتى الآن!! وصدق من قال إنه من أراد أن يعرف السر فليسأل أهل عمان، إنهم الأقدر على الإجابة، أوربما كانوا الأكثر عجزا؛ حيث الصمت في حرم الجمال جمال!! وأما أنا فسأجيب إذ قد حلا وقت الكلام. فأما سؤالي: من يصدق أنه قد مر أسبوع على النطق السامي لجلالته وكأنه كان الآن؛ فنعم كلنا نصدق إذ أن ّكل العمانيين لازالوا يعيدون الخطاب مرات متتالية؛ ليسمعوا الصوت والنبض والهدير، حقا لقد كان للدقائق الأربعة رجع هدير إلى السنوات الأربع والأربعين الفائتة في حديثٍ مقدارُ الحب فيه يساوي حجم المسؤولية، تلك المسؤولية الصادقة المحبة التي دفعت بالأب أن ينفض عنه المرض ليطمئِن بنيه, إنهم بعينيه؛ فقلقهم الذي طال وكبر لا يزيحه إلا طلّة يرونها بأمّ أعينهم, وليقول لهم أنّه لازال ومن مكان بعيد المسافات يعتني, ويراقب, ويرسم ويخطط للقادم من الأيام والسنين التي نرجو من المولى القدير أن يديم فرحنا فيها بشفاء القائد ومديد عمره إنه سميع مجيب الدعوات. وبجانب كل هذا الفرح والابتهاج فإننا بحاجة إلى تفسير للمسؤولية المحبة التي بادَرَنا بها القائد, وأن نقف على حيثياتها, ثم لنتأمل في كلمات قليلة قالها, والتي لم تكن لتترك هذا الأثر لولا أنها نبعت من راعٍ حكيمٍ حرص على التأكيد طوال مسيرته على الثوابت التي أرسى دعائمها منذ اليوم الأول للنهضة العمانية, هذه الثوابت التي صنعت من عمان التي تحدث عنها البعض يوما ما كجزء صامت في أقصى الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية غير أن إحدى الثوابت التي تعلمها هذا الشعب من قائده كان العمل بصمت, دون قعقعة وضجيج, وها هي (المعزولة الصامتة) كما قيل يقف لها كل العالم ليتابع جولة محادثات لقضية بقيت متعثرة لسنوات عديدة للملف النووي الإيراني!! فلله درها من صامتة أنطقت جموع المتنبئين!!
ووقفة تدبر في هذا وفي ما سبقها من المواقف السياسية للخارجية العمانية والتي سارت في إيقاع متناسق مع الشأن الداخلي، وما كان يتطلبه من بناء للإنسان والمكان يكفي لأن يكون نبراسًا لأجيالنا القادمة وليدركوا بأن وطنهم عمان هو مشرق الشمس على أرض العرب وهو أيقونة السلام العالمي ومنهل الحكمة. ولست أقف على نقاط الفخر فقط, فهي وإن كان ذكرها مهمًا لإذكاء عواطف الحماسة والانتماء لدى الشعوب؛ إلا أنّها لا ترتفع للمسؤولية المحبة التي وجب تلبية ندائها الضمني في حديث الدقائق الأربعة؛ لقد أصبح الإنسان العماني اليوم واعيًا لحجم الإنجاز الذي تسجله السياسة الخارجية لوطنه, وإدراكه هذا هو ما سيدفعه للإبقاء على الإنجاز والحفاظ عليه كمتسب للنهضة الحديثة وهو بذلك يستحق وسام الفخر, وبالتالي فبناء الإنسان هو الأسبق وهو ما يجب أن تتجه نحوه اليوم كل قطاعات الدولة الحكومية والخاصة والأهلية وهو ما سيحل لنا الكثير من العقبات التي تواجهنا في كل هذه القطاعات, وما التدريب والتأهيل الذي حث عليه جلالته دوما إلا جزء من هذه الحب المسؤول الذي يجب أن نسعى له جميعنا؛ فهو الداعم الحقيقي لمسيرة التعليم الذي مثّل أولوية في النهضة العمانية.
كذلك مما لا شك فيه أن الثوابت الوطنية- سواء الداخلية منها أو الخارجية - والتي قامت عليها النهضة العمانية تنم عن قيادة واعية ورصينة استطاعت استشراف القادم من السنين وفق قراءة تاريخية دقيقة من جهة,ونظرة ثاقبة للأوضاع المحلية والإقليمية والدولية حينها في العام ألف وتسعمائة وسبعين من جهة أخرى, وهو أمر يعرف المختصون أنه ليس باليسير فعله, خاصة في دولة كانت تخطوأولى خطواتها لصناعة تاريخها الحديث, متحملة مسؤولية إعادة المجد والمكانة وفق ما تتطلبه الحداثة في كل مرحلة, ومع التحديات الداخلية الصعبة حينها, ولكن ومع ذلك يبقى الأصعب هو الثبات على هذهالمرتكزات والثوابت والمبادئ, التي قد يجد المرء فيها نفسه وحيدا في بعض الأحيان؛ بل و ربما يلاقي اللوم والنقد من أقرب أحبائه,ولكنّها الحكمة التي أشار إليها جلالته في كلمته الأخيرة لنا حين قال: " وإننا لنحمد الله - عزوجل - ونشكره ونثني عليه على ما يسر لنا من رشد وصلاح للأخذ بهذه المسيرة نحو دولة عصرية راسخة الأركان " إن الرشد والصلاح هما مرتكزان للقرار انطلق منهما فكر القائد, فلا نحن في معرض التنازل عن مبادئنا, كما أننا لا نضع أنفسنا في محل استعراض ما لا نطيقه من تبعات لن يكون وبالها إلا على الوطن الذي نفديه ولا نرضى بأن تتعثر مسيرته, وهو هدف استراتيجي أعلن عنه جلالته في العيد الوطني الثاني بقوله: " وهدفنا أن نرى عمان وقد استعادت حضارتها الآفلة وقامت من جديد واحتلت مكانتها العظيمة بين شقيقاتها العربيات ... " وقد هانت في دربه كل الصعوبات, وهو هدف لازال وسيبقى بقعة الضوء التي تتسع يوما بعد يوم, فاليوم قد استعادت عمان الكثير مما أمله أبناؤها في مسيرتها, وهي ماضية نحو الأكثر لتجتازه نحو الأرقى دوما, و من هنا تأتي المسؤولية المشتركة بين المسؤولين والمواطنين, في انسجام بين الحقوق والواجبات, إننا اليوم في مرحلة بداية جديدة اقتصاديا وسياسيا وسيظهر ذلك تباعا للجميع, وبالتالي يكون الإخلاص والصدق والأمانة والعمل الجاد الدؤوب المستند على التخطيط الحديث هو المجداف لنحقق آمال أبناء الوطن.
إن هذا يستدعي منا جميعا - وخاصة المسؤولين-, أن نتمسك بالثوابت التي قامت عليها النهضة العمانية الحديثة وأن نرتقي بحبنا إلى درجات المسؤولية نحو الوطن والقائد, والذي يجب أن يتجاوز منطقة الحديث والعواطف إلى حيث التخطيط والتنفيذ والإنجاز؛ ولنعلم أنه حيثما وجد العزم والثبات والإيمان؛ وجدت الاستمرارية والعطاء والنماء, وهو ما أرى أن نفكر به مليا وجديا للسير قدمًا في بناء وطن متين الأركان لنا ولأبنائنا فقد زرعوا فأكلنا ولابد لنا أن نزرع ليأكلوا.
قال تعالى : }لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف { (سورة قريش).
هو وطن أطعمنا من جوع, وآمننا من خوف فحمدنا الله على نعمه؛ فتمت علينا النعمة. لقد ختم جلالته كلمته بالشكر للقوات المسلحة العمانية التي حفظت الوطن منذ اليوم الأول فهي التي تحمي تراب الوطن وتذود عن مكتسباته كما جاء في النطق السامي, والحق أنّ كلاً منا في محله يجب أن يذود عن تراب الوطن, وأن يحرص على مكتسباته.
إن عملنا المخلص, وأداءنا المتقن في أيّ قطاع كنا, وأي وظيفة كنا نشغل لهو بناء لعمان, وإنّ تطويرنا لذواتنا وترتيبنا لأولوياتنا يخلق منا أفرادا واعين ومواطنين صالحين, وهو ما يحتاجه منا الوطن في كل مراحله, وإنّ تكاتفنا وتلاحمنا ونبذنا للفرقة والشقاق, وتجاوزنا للذات إلى الجماعة هو الطريقة الأسلم للتعبير عن حبنا للوطن والقائد - حفظه الله وأبقاه - ذاك الذي حين أّطلّ تنفست عمان الصعداء, وكأنه بدرُ تمٍّ في لياليها البيض أطلّ؛ فقرّت لرؤيته عيون الناظرين.
جريدة الرؤية العمانية
شوهد المقال 1629 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك