خالد الزدجالي ....... حاكم فنان من الدرجة الأولى الممتازة.
بواسطة 2013-12-11 21:26:58

د.خالد الزدجالي
في عام 1983 احتفلت البلاد بعام الشبيبة العمانية..وقدمت فرقة مسرح الشباب هذا العام مسرحيتين ..الطير المهاجر ..سيرة ذاتية للمطرب والملحن الراحل سالم الصوري..ومسرحية الراية عن سيرة الامام وارث بن كعب الخروصي.. و تشرفت في إدارة المسرحيتين بقيادة المخرجين محمد الشنفري ومصطفى حشيش.
و بالمناسبة المذكورة تم دعوتنا في قصر العلم العامر بمسقط .. كان المشهد رهيباً بالنسبة لي ..جميع الحضور من أصحاب السمو و الوزراء و السفراء وضيوف كبار حضروا لتهنئة جلالته.
حضرنا مبكراً قبل ساعتين تقريباً التقينا بالحضور ودققنا النظر في حديقة القصر المطلة على البحر.. لي ذكريات جميلة في هذالمكان قبل أن يصبح قصراً بهذا الحجم..كان أمامها فرضة للسفن التجارية وبجنبها مستشفى ولجات نحن أهالي مسقط نتذكر تفاصيل تلك الأماكن كانت مرتعاً لنا ومكان تجمع ..ومكان نسبح ونغوص فيه ونتسابق بين القلعتين ..كنا اطفالاً ولكن للمكان مكانة في القلب.. الله يا زمان ارجع يا زمان.
أما اليوم 1983 أنا في السابعة عشر من عمري و خجولاً لا أعرف كيف أتداخل مع الحضور فهم شخصيات لها مكانتها وأنا لازلت طالباً في الثاني الثانوي.
دقت طبول الانتباه ..ثم اصدرت الابواق اعلانها بدخول جلالة السلطان..هيبة تاريخيه.. كنت واقفاً لحظتها بالقرب من الهدايا التذكاريه التي تقدم لجلالته من ضيوف العرب والأجانب.
عزف السلام السلطاني ..يا إلهي إنه السلطان على بعد خطوات مني ..إنه شرف عظيم..انتهى الحرس السلطاني من العزف ,تقدم جلالته ..إنه يقترب نحوي..نعم نحوي .. عدلت من وقفتي كان الفنان جمعة الخصيبي رحمه الله يقف بجانبي..وصل أمامي نظر إليّ مبتسماً و أومأ برأسه للأعلى والأسفل ثم نظر إلى جمعة فانتبه أنه ممثل في التليفزيون ..ثم قال له.. فاضول..هل تذكرون فاضول؟ كان اسمه في مسلسل شايب خلف الذي عرض العام المنصرم ..يا إلهي لقد عرفنا ..إنه يشاهد أعمالنا.
كان تأثير ذلك كبيراً على نفوسنا .. رد عليه جمعة خافضا رأسه احتراماً له : "موﻻي" .. فضحك ضحكة خفيفة و قال زين زين ثم اكمل طريقه نحو الهدايا ثم نحو الضيوف كنت قريباً جدا منه وسعيدا جداً بهذا الوضع , إنه تكريم لجميع الفنانين.
واحتفظت في رصيدي هذا التشريف كإنجاز أفتخر فيه..كنت على مقربة مترين إلى ثلاثة منه طوال الحفلة وهو تحدث إلى سمو السيد طلال ثم وزير الدولة للشؤون الخارجية معالي يوسف بن علوي الذي جلس أمامه .. خيالي كان خيال فنان في الجنة..
في مساء اليوم التالي أصدر جلالته تعليماته بإنشاء مجمع لفنون المسرح ..زادت فرحتنا أفراحاً وارتقت أحلامنا سمواً.. وتسلمنا ميداليات بهذه المناسبة الجليلة.
ارتفع سقف أحلامي وعندما كنت في الثانوية العامة طموحاتي توقفت عند دراسة المسرح ..كنت أزور مسرح الشباب بلا انقطاع ..و أرى خرائط ومجسمات هذا الصرح تأخذني بعيداً نحو آفاق لا توجد إلا في خيال المبدع ..نعم خيال في خيال في خيال..
وبعد مرور 30 عاما بالتمام والكمال لازلنا نرى تلك الخرائط و المجسمات تكبر و تكبر وتكبر في الخيال.
و توجيهات جلالته لم تتوقف فقبل 20 عام تقريبا أصدر توجيهاته بإنشاء كلية للفنون الجميلة تضم كل الفنون المسرح والسينما والموسيقى .. إنه متقدم في التفكير حتى من المتخصصين ..كنت قد تخرجت وقتها من المعهد العالي للسينما قسم الإخراج.. ورأينا خرائطها ومجسماتها و موقعها في صحار وهي تمخر وتمخر وتمخر عباب الخيال.
وتوجيهات ثالثة عن تطوير الدراما والمسرح بحجم أكبر و أكبر و أكبر.. و كبر دوري فأصبحت أحد أعمدة اللجنة بل رئيس فريق دراما الإذاعة والتليفزيون و السينما ..بل أكثر من ذلك كنا نناقش العثرات التي واجهت توجيهات جلالته السابقة فكان وزراء ذلك الوقت يستغربون لماذا لم تنجز..لأنهم لم يكونون معنيين ولكنني لا أنسى شيئاً , إنها ذكرياتي ..عملنا على تنفيذ كل ما وجههه جلالته من خلال هذه اللجنة والفضل بعد الله لحماس وزير الديوان السيد علي بن حمود .
ولكن لماذا التظاهرات قضت على كل شي ؟! ..تغير الوزراء جاء من جاء ليرفض الجهود السابقة حتى وإن كانت توجيهات و أومر جلالته يا للهول !.
سأكون صادقاً لوقلت نادراً ما يوجد مثل هذا الرجل في هذا الزمان وبهذه العقلية المنفتحة على فنون العالم ..و الدليل أن مشاريع الفنون التي تدار مباشرة من ديوانه هي أنجح و أرقى المشاريع العربية سمعةً و إبداعاً وجوائزاً , لأنه يهتم بها اهتماماً كبيراً ويعطي للعاملين فيها حقهم ورعايته..سأذكرها بإختصار :
الفرقه السيمفونية الخاصة
الفرقة الشرقية الخاصة
دار الأوبرا
جمعية الفنون التشكيلية
جمعية هواة العود.
أما المسرح والدراما والسينما لطالما هي في أيدي غير متخصصين فهي ضايعة وفي الحضيض ..رحم الله أمرء عرف قدر نفسه..فنحن لا طاقة لنا عليهم.
أعتقد أن حلم الرعاية السامية لفنون الدراما حلم كل فنان لست أنا فحسب .. فكل الفنانين يرجون جلالته أن يأخذ بيدهم نحو آفاق عربية وعالميه أسوة بتلك الفنون المذكورة.
إن كان هنالك من يختلف معي سأسعد لمعرفته.
هكذا كنا نحلم وهذا ماوصلنا إليه بعد 30 عاماً.. ودمتم برعاية الله ثم جلالته.
شوهد المقال 3774 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك