خالد الزدجالي ....... حكاية ابنتي الصغرى نور ..1997.
بواسطة 2013-12-01 02:46:00

د. خالد الزدجالي
في ذلك العام كنت طالبا للدراسات العليا بجامعة فلوريدا بالولايات المتحده الامريكية..وكانت اسرتي برفقتي ..و كانت خلود لازالت في الثامنة من عمرها و قيس في السادسة من عمره اما بطلة قصتنا نور فقد كانت في السنتين والنصف فقط ..فهي من مواليد 10 ديسمبر 1994.
تبدأ الحكاية انه انتشر اخبار في تلك الفترة عن حوادث بشعة تحدث للأطفال منها ..ان ولاية فلوريدا معروفة أنها ولاية التماسيح كما ان شعار منتخبهم هو القاطور او التمساح ..وذلك بسبب كثرة التماسيح في البرك المائية والبحيرات والأدغال الفلوريدية..كما ان فلوريدا مدينة سياحية من الدرجة الأولى في امريكا..ومعظم حدائقها الطبيعيه فيها تلك البرك والبحيرات..وكان كثيرا ما يتم الهجوم على الأطفال من قبل التماسيح وسحبها الى المياه..فقد كنا في رعب التماسيح نحرم اطفالنا من الحدائق ..لانه لم يمر علينا يوم إلا ونشاهد في الأخبار مشاهد بشعة وخطيرة للأطفال وقد التهمتها التماسيح او تركتها بدون يد أو رجل أو رأس..رعب في أجمل ولاية سياحيه في العالم ( حيث مدينة عالم ديزني و ايبكوت و ميامي بيتش ..وقاعدة كاب كنفرال ..الخ). ومايزيد الرعب أنها ولاية اللاتينيين أي سكان امريكا اللاتينية ..مروجي المخدرات والعصابات المكسيكية و الكولومبية..الخ..كل هذا في جانب و ظاهرة اختطاف الاطفال لصالح اثرياء امريكا اللاتينية جانب آخر..بقدر ما تستمتع في هذه الولاية من الجو و الخدمات المجانية الحكومية والمنتزهات بقدر الضغوطات التي تعيش عليها في حماية اطفالك من كل تلك الحوادث والظواهر.
ففي يوم جمعة من ذلك العام كانت تصادف يوم احتفالات مدينة جينزفل ( المدينه الجامعية) حيث كرنفالات والعاب نارية و فرق موسيقية و مهرجين يأخذون طريقهم من أمام المسجد الذي يقع على شارع الجامعه university avenue في مسيرات لهذه الإحتفالية ويتجمع الناس على جانبي الطريق وعلى مسافة كيلوين للمشاهدة والمشاركة والإحتفال..والكثير من العائلات يحجزون أماكن معينة ويضعون الكراسي والطاولات و الطعام لقضاء يوم اجازتهم على جانبي الطريق..ولأن أذان الجمعة قد نادى فدخل جميع المسلمين من الرجال والنساء داخل المسجد ..تاركين الأطفال في باحة المسجد ليلعبوا بالمراجيح.. وعند قيام الصلاة كانت خلود وقيس يمسكان بيد اختهما نور ..و عند ارتفاع اصوات الموسيقى في الشارع مع وصول فرق المهرجين و الدمى الكرتونية زاد الفضول عند الأطفال للإقتراب من البوابة لمشاهدة تلك المسيرة المبهرة من الدمى والمهرجين والسيارات المزينة من مدن عديدة في الولاية..
انتهى الإمام من الصلاة قمنا نسلم على بعضنا البعض ثم خرجت لأشارك اطفالي فرحتهم ..فوجدت خلود و قيس واقفين على عتبة البوابة إلا أن نور لم تكن معهما..سألتهما أين نور قالا لقد كانت معنا و لا نعرف ..وصلت أم قيس بدأنا نبحث عنها بداخل حرم المسجد ثم في الخارج ..ولكن أين في الخارج انها مسيرات لن تتوقف حتى الليل ..يا ترى هل ذهبت معهم خطأ او هل تم اختطافها ..يا الله .. اجتمع رجال المسجد والنساء وابلغناهم بالخبر .. اسرع الجميع بالبحث في محيط المسجد..ولكن صورة الإختطاف لازالت قائمة في رأسي..اضرب رأسي لا لا ..يارب ارجوك ان لا تبتليني في أولادي ..يارب..عدها الي ..أم قيس قد جن جنونها تبكي تريد ابنتها وتركض يمنة ويسرة..رجال الشرطه راكبي الدراجات الهوائية بدأوا في البحث ..ودخلوا في زحمة المسيرة للبحث عن طفلة تائهة أو طفلة تبكي وكذا فعل كل من العرب والمسلمين وكذلك الأمريكان الذين استعلموا بالخبر ..الكل يساورهم شك الإختطاف ولكنها المحاولة.. المحاولة فقط جعلتهم لا ينطقون الكلمة امامي.
فشلنا وفشلت محاولات الجميع بدأنا بالإنهيار ..لا نستطيع الوقوف فقد مرت ساعة كاملة من اختفائها ..وان كانت قد اختطفت فقد اخرجها المختطف خارج الحدود في تلك الساعة ..يا الله يارب العالمين أعد إلي ابنتي لن اجلس هذه المدينة يوما واحدا فقط اعد الي ابنتي يا الله..تجمعت الشرطة حولنا.. بلغني احد راكبي الدراجات من الشرطة بأن عدد من الاطفال التائهين قد تم اخذهم الى مركز الشرطة علينا ان ندعو الله ان تكون بينهم.
وصلنا المركز وهو على بعد عشر دقائق..فقدم لنا الشرطة بعض الاطفال .. دموعي و دموع زوجتي اصبحت انهار على وجنتينا ..لا ليست هذه انها ليست ابنتنا ..وكذلك الثانية والثالثة ..يا الله يارب ليس لنا سواك ارجع لنا ابنتنا فأم قيس قد بلغ بها الإنهيار العصبي لم اتمكن من تهدئتها ، إنها تلومني ..نعم أنا الملوم ..ما كان علي تركهم خارج المسجد.
اقتربت الينا شرطية سمراء ممتلئة الجسم وقد حضنت أم قيس ..وطلبت منها ان تشاهد طفلة اخرى نائمة بالداخل ..ذهبنا معا ..لنرى طفلة صغيرة نائمة و هي تبكي بتقطع و دموعها على خديها و تحتضن لعبه (دبدوبة)...انها هي ..إنها نور يا الله اشكرك يارب انها نور الحمد لله أخذتها أمها تقبلها إلى أن قامت من نومها وأنا انظر للمشهد بين الأم وابنتها ..لعمري ما رأيت مشهدا مثيلا في حياتي ابدا..انها الضنا..فقد ارتفع صوت بكائهما معا ..اقتربت إليهما حضنتهما حضنا و كأنما عادت الي روحي من جديد.
خلال أقل من شهر انتقلت من هذه الولاية الجنوبيه نحو ولاية يوتاه في الشمال...بعد 15 عاما رجعت نور للولايات المتحده الامريكية من جديد وبدون مرافقة احد لتدرس هندسة الطاقه بجامعة North Texas..اللهم وفقها واعدها الى وطنها سالمة و غانمة يارب.
شوهد المقال 2988 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك