فوزي سعد الله ـ هذا ما رد به عرُّوج رايس في الجزائر على من كانوا يتهمونه بـ: "القرصنة" في عرض البحار
بواسطة 2021-03-30 00:43:55

فوزي سعد الله
ليس جديدا اتهام قادة ومجاهدي الجزائر العثمانية بـ: "القرصنة". وما نشهده ونسمعه اليوم مجرد صدى لما كان يحدث بالأمس قبل نحو 500 عام، أعادت المصالح الجيوسياسة الراهنة بَعثَهُ خدمةً لإستراتيجياتها الآنية. ألَم يُنعت مجاهدو ثورة التحرير في 1954م من طرف المحتلين الفرنسيين بـ: "الإرهابيين"؟ وقد نسمع مجددا، إن استمر الانحدار نحو الهاوية إلى ما هو عليه، هذا الوصف في عقر الدار ومن طرف بعض أهلها.
غير أن الفارق يكمن في كون مخابر ترويج هذه الدعاية في تلك البدايات من القرن 16م لم تكن فرنسية، مثلما حدث في القرن 19م والقرن 20م خلال احتلال فرنسا للجزائر، بل كانت إسبانية، لأن إسبانيا كانت القوة العظمى التوسعية المهيمنة على غرب المتوسط وأجزاء من أوروبا الغربية وكذلك على ما وصلت إليه يدها من أراضي ما يُعرف اليوم بقارة أمريكا. وكانت آلتها الدعائية ضد الجزائر، التي كانت تقاتل حينذاك بشراسة من أجل وجودها ومن أجل مساعدة الأندلسيين المضطهدين في عقر دارهم، شديدة النشاط من الخارج، في المحافل الدولية والأوساط الدينية الكاثوليكية الأوروبية، ومن داخل الجزائر بواسطة العملاء والأجهزة الدعائية لأنظمة الدويلات والإمارات المحلية الضعيفة التي اختارت "التطبيع" والتحالف مع العدو لحماية مصالحها وكانت مساعيها هذه، في الحقيقة، مجرد تأجيل للانهيار والاندثار.
هل كان الإخوة بربروسة يعون خطورة هذه الحرب النفسية المشوِّهة للحقائق على مستقبل جهادهم لتحرير الأرض بتلك القوات الناشئة متواضعة العدد والعدة حيث غالبيتها من أهل البلد الجزائريين؟ هل كانوا يعرفون أن خصومهم وأعداءهم كانوا يروجون بأنهم مجرد "قراصنة" و"صعاليك" في مياه البحر المتوسط؟
في الحقيقة، ما كانت الحرب لتنتهي لصالحهم في آخر المطاف لو كانوا قد أغفلوا، ومقاتلوهم، الجانب الدعائي/الإعلامي في معاركهم الكثيرة كما هو الشأن في كل الحروب إلى اليوم. والجواب القاطع نجده في "مذكرات خير الدين بربروس" الذي قاد مشروع تحرير ما تيسر من أرض الجزائر وتوحيد الجزائريين وبناء الدولة الجزائرية الحديثة بعد مقتل شقيقه عروج (1474 في جزيرة ليسبوس اليونانية/1518 في تلمسان) في معركة غير متكافئة ضد القوات الاستعمارية الإسبانية في تلمسان بدعم من قوات النظام الزّياني المحلي. فبعد سيطرة قوات التحالف الجزائري/العثماني بقيادة خير الدين على مدينة تنس في غرب مدينة الجزائر، التابعة حينها لتلمسان الزيانية، دخل عروج المدينة. وعلى الفور، جيء له بحاكمها المنهزم مقيَّدًا، والذي كان قد أتى إلى العرش "على ظهر الدّبابة" الإسبانية، كما نقول بالعبارات الحديثة، وبحمايتها. والحاكم الأسير كان ابن شقيق سلطان تلمسان الزياني "اليائس الخاضع لكفار إسبانيا"، على حد تعبير خير الدين رايس الذي تعوّدنا تلقيبه بـ: "بربروسة" مثلما كان يفعل الإسبان وبقية الأوروبيين.
في شهادته المدوَّنة في مذكراته ، قال هذا الأخير واصفا هذا الحدث بهذه العبارات الواضحة:
"كان أخي عروج رجلا رقيق القلب، يكره النفاق والتلوّن، محسنا عفوا عامر القلب. ولذلك فقد عفا عن أهالي تنس، ودعا أميرهم وقال له مؤنبا:
"مَا لَكَ أيها السافل! إن ما فعلتَه لم يجرؤ أحدٌ قبلَك على فعله، ولن أعير اهتماما بما تشيعه عني من أني قرصان لا هم لي إلا قطع الطريق في عرض البحر. أيها الملعون، يا من جعلتَ نفسك عبدا لسيدك ملك إسبانيا، ألم تعلم أن مَلكَك هذا كان قد أعمل السيف في رقاب مئات الآلاف من مسلمي الأندلس؟!! نحن لسنا قراصنة بل مجاهدون نقاتل في سبيل الله، ولله الحمد". ثم أشار على الفور إلى الجلاد أن اضرب عنق الخائن"...".
شوهد المقال 369 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك