وليد بوعديلة ـ مجلة "هنا الجزائر" والوجه الآخر للشعر الجزائري زمن الثورة التحررية لعبد الله حمادي
بواسطة 2021-03-11 02:29:18

د.وليد بوعديلة
أصدر الدكتور والباحث المتميز عبد الله حمادي كتابا جديدا يوثق لنصوص شعرية جزائرية نشرت في الفترة الاستعمارية بمجلة "هنا الجزائر"،التي أصدرتها السلطات الفرنسية ،الكتاب في عنوان الكامل هو:" ديوان مجلة هنا الجزائر،1952_1960"جمع وإعداد وتحقيق أ.د عبد الله حمادي،عن دار بهاء الدين للنشر والتوزيع،سنة2020.
وموضوعات القصائد المنشورة لا تتحدث اطلاقا عن الثورة التحريرية المباركة،فكل القصائد عن المناسبات الدينية المختلفة أو من الشعر الرومانسي حول الحب والشوق والطبيعة،،لشعراء جزائريين يكتبون الشعر العمودي،ومنهم محمد الاخضر السائحي،الطاهر بوشوشي،عثمان بوقطاية،المولود طياب،محمد الدحاوي....وغيرهم.
كانت مجلة "هنا الجزائر" تسير على طريق راديو هنا الجزائر،في التسويق لسياسة الاندماج،عبر منح فرص النشر للمثقفين الجزائريين،للتعبير عن إبداعاتهم وأصواتهم باللغة العربية،يقول الدكتور حمادي بأن" الهدف الاستعماري الفرنسي من إنشاء هذا المنبر الثقافي والأدبي هو تقريب الشقة بين الضفتين ثقافيا وحضاريا،لذا كان في إشراك الطرف الجزائري فيه أكثر من ضرورة"(ص9).
وقد عمدت المجلة لتوظيف جزائريين في هياكلها أو عن طريق التعاون بمقابل،واستطاع الباحث حمادي أن يجمع القصائد،لتشكل نوعا من الديوان الشعري للمجلة،وفيه نقرأ نصوصا ليست ثورية،بل:" يُقدم لنا الواقع الجزائري أيام الثورة التحريرية في صورة مغايرة للواقع الذي عايشه معظم الجزائريين،إنه شعر يعكس الاستقرار والأمان الذي كان يسود الجزائر آنذاك،ويعكس حرص الجزائري على الاحتفاء بمظاهره الدينية ..."(ص11).
وقد استغربتُ وجود قصائد،منشورة عام اندلاع الثورة المجيدة ومابعدها،أي1954و1955،تتحدث عن البحر والحب والغربة والربيع الجميل والمناسبات الدينية،دون الوقوف عند ثورة نوفمبر والمعارك والجهاد والشهداء،فهل أن أصحابها لم يكتبوا ذلك الزمن الشعر الثوري؟هل وقعوا في أسر الخطاب الاستعماري المراوغ الخادع؟
ويتوقف الكتاب عند الشاعر محمد الأخضر السائحي الذي نشر شعرا كثيرا في هذه المجلة الاستعمارية الموجهة للعرب،والغريب أنه في شهر نوفمبر1954،في العدد رقم29،نشرقصيدتين رومانسيتين،الاولى عنوانها "أحلام المصيف" والثانية" الشاعر"، ومطلع الأولى:
تحيةٓ الروح هذا البحر منظرُه
كلون عينيكِ يوحي السحرٓ والعحبا
ومطلع الثانية:
ذاهل ينظر كالحالم في الأفق البعيد
وادعُ النظرة والبسمة كالطفل الوليد
والأمر الغريب أن الشاعر عندما نشر ديوانه "همسات وصرخات"سنة1965، أرخ القصيدة بسنة1956،فهل نسي الشاعر زمن نشرها في المجلة?أم أن الأمر خاص بموضوعها غير المرتبط بالثورة ومقاومة الاستعمار؟! والغريب كذلك أن الشاعر نشر عدد جانفي1955قصيدة العام الجديد،يتمنى فيها السلام والخير والفرح،وهذا بعد أشهر من اندلاع الثورة واستمرارها وبداية انتشارها ومواجهة الاستعمار لها بالنار والقوة،عبر الحرق والتدمير والقتل؟؟!!
ويستمر الشاعر السائحي في نشر قصائده بالمجلة،ولا يكتب أبدا المجد النوفمبري الثائر،بل في عدد فيفري1955كتب نص "إليها"،وفيه التغني بالحبيب والشوق إليه والتعبير بلغة الهمس والرقة،وفي عدد افريل1955كتب الشاعر عن نشيد الربيع،بل أنه في عدد نوفمبر من نفس السنة لم يعد لذكرى ثورة نوفمبر بل كتب قصيدة في عيد الذكرى النبوي؟؟،وهو موضوع ديني لا يقلق السلطات الاستعمارية،بخاصة والشاعر تحدث عن مولد الرسول.ص وفرحة الناس،ولم يشر لغزواته وجهاده الكفار وفتحه لمكة....؟!
كما أنه عندما نشر ديوانه "همسات وصرخات" و ضّح للقارئ قائلا:"شعري قد ضاع مني تماما في أيام الثورة،وفقدت معه مجموعة الصحف والمجلات القديمة التي نشرت فيها طاىفة منه"...فهل في هذا الشعر شعر الثورة ام شعر الرومانسية أم...؟!علما أن أول قصيدة في الديوان هي قصيدة طويلة عمودية موسومة بقصة ثائر،مؤرخة سنتي1959-1962.
أخيرا..
إن هذا الكتاب مهم في التاريخ الثقافي الجزائري،ويكشف الوجه الآخر لبعض الشعراء الجزائريين،وفيه القصائد المجهولة،التي لم تنشر في دواوين شعراء،لم يتمكنوا من جمع شعرهم،وقد رحلوا وتركوا نصوصهم في مجلات عديدة...
ومن يقرأ النصوص المنشورة في مجلة هنا الجزائر،سيعيد نظرته للشعر الجزائري في الخمسينيات،فلم يكن كله ثوريا،و تبقى الأسئلة مطروحة...هل كتبوا شعرا ثوريا في صحف اخرى؟هل توجد الصحف والمجلات التي نشر فيها ألسائحي القصيدة الثورية التي تتغنى بثورة نوفمبر؟اذا كانت موجودة،فلماذا لم يتمكن الباحثون من جمع أشعاره ونشرها في ديوان واحد؟ولماذا غيّر هذا الشاعر تواريخ شعره غير الثوري المنشور في المجلة عندما نشره في ديوانه همسات وصرخات،وجعله بعد زمن بدايات الثورة؟؟
شوهد المقال 367 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك