حمزة حداد ـ لماذا يستكثرون علينا تاريخنا و معمارنا ؟ دراسة في تطور المعمار الجزائري الاسلامي
بواسطة 2021-02-16 06:10:55

حمزة حداد
يحاول البعض بشتى الطرق تقزيم الجزائر و تاريخها فيصفونها تارة بأنها بلد الخمسين سنة و تارة بأن شعبها هجين و تارة أخرى بأن تراثها كله منقول عن جهات أخرى ، وفي الحقيقة فان الجزائر من اكثر الدول التي تعرض تراثها و تاريخها للنقل والسطو من الاخرين ثم يأتون بكل صفاقة و تبجح ليتهموا الجزائري نفسه بالسرقة ، و الحقيقة ايضا ان الجزائر منذ تأسيس اول كيان سياسي بصفة دولة فيها و هو مملكة نوميديا الى غاية الجزائر المستقلة مرورا بالفترات الافرينية و الرستمية و الحمادية و الزيانية ثم دولة الجزائر البحرية قبل الاحتلال ، فانها كانت دائما اكبر دول المنطقة و اكثرها اكتظاظا بالسكان و اشملها على المدن و الحواضر ، وبالتالي اكثرها تشبعا بالحضارة و العلوم و الفنون ، ولا ينكر هذا الا جاحد .. أدى هذا التوغل القديم في التاريخ الى نشوء ما يسمى بالمعمار الجزائري ، و هو معمار محلي اعتمدته السلالات المحلية مع بعض الاختلافات بسبب كبر مساحة البلد و أيضا تعاقب السلالات الحاكمة من القبيلتين الجزائريتين العظيمتين صنهاجة و زناتة ، فمثلا أنشأ الصنهاجيون : الزيريون و الحماديون معالم ضخمة وبنوا مدنا جميلة كالجزائر و المدية و مليانة وكان معمارهم يعتمد على الحجر الصلد و كانوا أقرب الى التمدن من الزناتيين ، ثم جاء العثمانيون لكي يبنوا بنفس الطريقة المحلية في تلك المناطق واقصد بها الوسط والشرق الجزائري . .
ولكن السلالات الزناتية استعادت السيطرة على بلاد المغرب الكبير خاصة ابناء العم بني زيان و بني مرين القادمين من بلاد الزاب بالشرق الجزائري ، و الذين دفعتهم الهجرات الهلالية الى النزوح غربا ، و كانت تلمسان محط انظارهم فهي عاصمة زناتة بكل بطونها كما وصفها ابن خلدون ، و من يحكم تلمسان كانت له اليدالعليا على سائر القبائل الزناتية ، و قد كان ذلك لبني زيان مع بعض الفترات التي ازاحهم فيها بنو مرين عنها و استقروا بها بدلا عنها ، و قد كانت زناتة اقرب الى البداوة في بداياتها ، و لكن استقرارها بالحواضر الكبيرة كتلمسان و وهران و فاس جعلها ترتقي بسرعة في سلم التحضر و ساهم في ذلك توافد الاعداد الضخمة من الاندلسيين المهاجرين و الذين اتجهة غالبية كبيرة منهم الى تلمسان حاضرة المغرب الاسلامي كما وصفها ابن خلدون ، و وصل من اهل قرطبة فقط الى تلمسان مايقارب خمسين ألفا أنزلهم حاكمها يغمراسن حسب منازلهم و جعل لهم النفقات و الاراضي و الاقطاعات تألفا لقلوبهم ، و أبدع الأندلسيون مع مواطنيهم المحليين في المعمار فأنشأوا القصور العظيمة بتلمسان و باقي المدن الزيانية كالمشور و دار ابي فهر و دار النارنج و اصبح المعمار الزياني يماثل المعمار الأندلسي بل ويتفوق عليه في احيان كثيرة ، ما جعل المستشرق الفرنسي بروسلار يصف مملكة تلمسان بأنها المملكة الأكثر تحضرا في زمانها ..
ولكن للأسف فان هذا الارتقاء الحضاري تم توقيفه و اهماله في العهد العثماني الذي دام 3 قرون ثم بعده الاحتلال الفرنسي ، ولكنه اخذ ينتعش قليلا بعد الاستقلال حيث تم ترمبم المشور و بعض الاثار الزيانية ، غير ان ذلك غير كاف مادام تكوين الايادي العاملة المحلية ضعيفا و مادام الجزء الاكبر من الاثار و المعمار مطمورا او مهددا بالزوال ..






شوهد المقال 232 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك