علاء الأديب ـ توظيف الأسطورة لتجسيد الصورة في شعر نزار قباني
بواسطة 2020-11-21 00:23:50

علاء الأديب
مما لاشك فيه بأن الشاعر الكبير المرحوم نزار قباني قد برع كثيرا في توظيف الأساطير توظيفا إحترافيا متفردا لرسم الصورة الشعرية في الكثير من قصائده باساليب سلسة متناسقة بعيدا عن العسر اللغوي الذي كان يذهب إليه العديد من شعراء عصره في نظمهم. وهذا ما جعله فارس السهل الممتنع بلا منافس يذكر في ذلك الوقت ولا أبالغ إن قلت إلى يومنا هذا للأسف الشديد .وإن ظهر له منافس بين الحين والحين في نص أو بضعة نصوص فلا يعد ذلك إلا محاولات لا تدوم طويلا ولا تصمد ذلك الصمود القباني الذي أصبح مدرسة راسخة ومنهجا خالدا .
لقد تمكن نزار بما لديه من حنكة في محاكاة فكرة النص و مراقصتها ان يتملك زمامها وإن يقودها طائعة لما يرضيه منها لا تعسفا ولا بحرمانها مما تستحق من مقومات الجمال الأخاذ المتمثلة شعرا بالصورة الشعرية والأسلوب الشعري.
وكأنه بالفعل يتعامل مع الفكرة تعامله مع الأنثى التي لايمكن أن تعلن عن أنوثتها بغير التدليل والاطراء والكلام المنمق الذي يثير فيها مفاتنها إلى حد التجلي والتسامي.
كان لمحيط الرجل وبيئته وطبيعة عمله كدبلوماسي الأثر الكبير في تكوين شخصيته الأنيقة التي ظهرت جلية في قصائده العاطفية ولم يكن تأثره كعربي باأساطير الف ليلة وليلة وغيرها من الأساطير العربية بعيدا عن الحضور فيها.
لقد نجح نزار في توظيف تلك الأساطير نجاحا أتاه يحسد الحاسدين قبل مدح المادحين وهذا هو النجاح الذي لايمكن ان يضمحل او ينكر ذات يوم. وعلى ذلك من نصوصه العشرات من الشواهد اقتنصت لكم في هذا المقال واحدة منها وهو يوظف فيها وصف عيني حبيبته ومدى عشقه لهاتين العينين أسطورة المصباح السحري ومارد المصباح تلك الأسطورة التي يتعشقها الصغار والكبار على حد سواء .فيقول مستبدلا كلمة المصباح بكلمة القمقم رجوعا بالأسطورة إلى حقيقتها الأولية التي عرفت بها فقد ذكر بأن مارد الأمنيات كان يسكن قمقما في الأسطورة قبل أن يغيره الناقلون الزمن إلى مصباح لتقريبه من تصور الأطفال .وكان نزار بهذا قد أختار بالفعل ما صلح من اختيار .
(لو خرج المارد من قمقمه
وقال لي : لبيك
دقيقة واحدة لديك
تختار فيها ما تشأ
من قطع الياقوت والزمرد
لاخترت عينيك بلا تردد).
قال نزار ماقال في عينيها بأبسط الكلام و اعذبه مالم يقله غيره بمطولات .هذا لأنه تعامل مع الفكرة بأناقة الرجل الراقي مع الانثى الرقيقة المدللة.فمتى يمكننا أن نتعامل مع قصائدنا ذات التعامل لندرك شيئا من الشاعرية فيما نكتب؟
رحم الله ابا عمر و وفقنا لندرك منه بعض المدى.
شوهد المقال 269 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك