سعيد لوصيف ـ مجتمعات ما قبل الفكرة
بواسطة 2020-07-31 04:13:54

د. سعيد لوصيف
Changeons de Regard.. Changeons de voie..
في مجتمعات ما قبل الفكرة ؛ أي تلك المجتمعات التي يحدد معالمها المجسد وتصوراتها المقدس الهوامي (fantasmatique) ، فإن الحقائق غالبا ما تدرك بعيدا عن جماليات الخطاب و القول المعلن . فاللغة فيها قد لا تكون بنية معقولة (intelligible) لادراك هذه الحقائق وفهمها، وذلك لانها لا تسمح لنا بموضعة (objectiver) العلاقات الاجتماعية و لا تعطينا فرصة الولوج إلى معانيها ودلالاتها بمعزل عن مفهوم التناقض الوجداني (ambivalence) الذي يميز سلوكيات الكثير من الأفراد واتجاهاتهم ، بحكم السياق النفسي الاجتماعي المغلق وسياج الدوغمائيات والممنوع.
إنني أعتقد أن الحقائق في هذه المجتمعات إنما تدرك في ما وراء اللغة والخطاب، أي في التأويل العلمي للبنيات الداخلية العميقة التي تؤطر فعليا تصورات أفرادها ومعاشاتهم النفسية الاجتماعية في الحياة اليومية. وبالفعل، فإن هذه الحقائق تدرك في ارتباطها بالمخيال واللاشعور و الهوامات ، كما تدرك أيضا وبشكل مباشر ومبسط فيما لا نقوله، وفيما نمتنع أو ممنوع عنا قوله، و تدرك في لحظات السكوت والسكوت القهري والخوف من القول والتعبير ، وكذا في استراتيجيات ترويض الذات على حيل مسايرة الآخر في ظاهر المخاطبة والخطاب، كما تدرك أيضا في تعاسة نكوص ذواتنا و فيما هو مرسوم بداخلها والذي لا يعكس حقيقتها وحقيقة الوجود.
إن الحقائق تدرك هنا في عمق التباس اسقاطات نرجسيات الذات الفردية وتعارضها مع اسقاطات الذات الجمعية وامكانياتها في فتح آفاق قطيعة مع ارهاصات الماضي وفشل كل فاعليه.
وبصراحة، فإن البحث عن الحقائق المؤسسة للمشروع لا تنطلق من فكرة الجميل الغائب عن النفوس والحاضر في سجع اللغة والكلام الملائكي المعسول، وإنما تنطلق من التشخيص الموضوعي لعلاقاتنا بالقبيح والعنف المكبوت الذي يترجم فشلنا والافشال المستدام لكل محاولات بناء مستقبل يؤسس لمجتمع مفتوح .
شوهد المقال 434 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك