العياشي عنصر ـ حول ابن باديس ؛ بعث النقاش
بواسطة 2020-04-18 14:16:58

د. العياشي عنصر
أعاد الصديق نوري إدريس في منشور له طرح النقاش من جديد بشأن موقف ابن باديس والنقد الذي تعرض له من خصومه السياسيين سواء العلمانيين او الأمازيغيين . وعبر بهذا الصدد عن وجهة نظر جديرة بالاهتمام، والنقاش.
بالنسبة لي هذه نظرة ليست بعيدة تماما عن القراءة العلمية السليمة للوقائع والاحداث ، لكنها تقف في منتصف الطريق من قول الحقيقة، وتنزلق لتصبح تبريرية اكثر منها تحليلية.
لقد عبرت شخصيًا في منشورات سابقة ومنذ مدة عن موقف مماثل إلى حد بعيد خاصةً فيما يتعلق بتأثيرات الانتماء الطبقي والطموح السياسي لابن باديس.، وجمعية العلماء المسلمين. لكن مع فارق واضح هو ان الصديق نوري إدريس يحاول تبرير موقف ابن باديس وهو ما نتج عنه ازدواجية في الرؤية وتناقض واضح بين التحليل العلمي الموضوعي، والتسويغ السياسي والتبرير الأيديولوجي.
الحقيقة باعتقادي، هي ان ابن باديس مثل غيره من سياسي عصره كانت له مواقف سياسية مبنية على قناعات ايديولوجية تعبر عن، وتنبع من، مصالح طبقية جسدتها رؤية اجتماعية وسياسية للحالة الاستعمارية .ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين مثله مثل فرحات عباس والأمير خالد قبلهما واخرون غيرهم لم يكونوا يعتقدون بامكانية الخروج من حالة الاستعمار، وساعدهم في هذا الاعتقاد الانتماء الطبقي الذي وجدوا فيه والمصالح والطموحات السياسية التي كانت تتراءى لهم امكانية تحقيقها في ظل مشروع قدمته السطلة الاستعمارية في مراحل معينة ولم تستطع تحقيقه بسبب سيطرة النزعة الكولونيالية المتطرفة في الجزائر، وتناقضات داخلية عاشتها السلطات الاستعمارية في الميتروبول .
في المقابل ، تشكل فصيل اخر من الحركة الوطنية ذو نزعة استقلالية منذ البداية ولنفس الأسباب ( الانتماء الطبقي، والقناعات الأيديولوجية، والطموحات السياسية) كانت لهم رؤية مغايرة ومعارضة تقف على طرف نقيض من المجموعة الأولى بقيادة ابن باديس وفرحات عباس. تشكل هذا التيار بقيادة مصالي الحاج الذي قاد نجم شمال أفريقيا ثم حزب الشعب، ورغم انه كان هو الاخر يؤمن بالبعد العروبي الاسلامي، والمغاربي، لكنه فعل ذلك ضمن برايذغم مغاير تماما لذلك الذي حدد موقف ابن باديس وفرحات عباس، براديغم مناهض ومعارض للاستعمار ، رغم عدم اعترضه على فكرة العمق الاستراتيجي للجزائر الذي يندرج ضمن العالم العربي والإسلامي.
ما يعني ان هناك فرقا واضحا بين الموقفين. وهذا ما أكدته التطورات اللاحقة التي لم تخل من مفارقات عجيبة ، هو اندلاع ثورة التحرير رغم معارضة مصالي المبدئية والمسلحة لها، والتحاق جمعية العلماء والليبراليين بزعامة فرحات عباس بالثورة، بل وقيادتها في لحظة ما منً تطورها.
هذا بتحليل آخر يعني ان الثورة التي اطلقتها وقادتها عناصر البورجوازية الصغيرة الريفيةً والحضرية، انتهى بها الأمر بين أيدي قيادات برجوازية كومبرادوربة في مرحلة معينة من تطورها، ثم عادت مرة أخرى لتقع تحت سيطرة البورجوازية الصغيرة ممثلة في قيادة هيئة الأركان التي انقلبت على الحكومة المؤقتة في مؤتمر طرابلس عشية الاستقلال . واستمرت هذه القيادة في ابعاد ممثلي البورجوازية الوطنية والتضييق عليهم وملاحقتهم بسبب اعتقادها بسيطرة النزعة الكومبرادورية على هذه الطبقة وتعارض مصالحها مع فكرة الاستقلال وبناء دولة وطنية. مع ان هذه القيادة ذات الأصول البرحوازية الصغيرة، لم تعارض مبدأ الانتماء العروبي الاسلامي، بل دافعت عنه باستماتة وضد البعد الأمازيغي حتى وقت قريب ومن إنجازاتها القوية التعريب وأسلمة الدولة والمجتمع، وهي عمليات لم تتردد في اللجوء الىً القوة والعنف من اجل تنفيذها والحفاظ عليها، في وجه خصومها السياسيين من قوى العلمانية والأمازيغية وما تزال شرائح واسعة من المجتمع محسوبة على هذه البرحوازية الصغيرة والطبقة المتوسطة على موقفها المعادي للعلمانية والأمازيغية، والمناصر لتزعتها القومية العروبية -الإسلامية
هناك من يحاجج ان فكرة تبني الاندماج والدفاع عنها كان خيارا سياسيا واسعا وتشترك فيه قوى سياسية عديدة ولم تكن حكرًا على جمعية العلمااء المسلمين، .
اولا؛ نعم هذا صحيح؛ الفكرة كانت رائجة لدى الحزب الشيوعي والليبراليين وجمعية العلماء المسلمين، جميعهم تبنوا فكرة الاندماج لأسباب مختلفة جدا وبل متعارضة تماما. لكن ما الشيء الثاني المهم هو ان هناك فرقًا شاسعا بين فكرة الاندماج التي دافع عنها الشيوعبون والتي دافع عنها الشيخ بن باديس وجمعية العلماء المسلمين. لان ما دافع عنه الحزب الشيوعي وناضل من اجله، مهما كان طوباويًا من الناحية السياسية، فهو اخلاقي من الناحية المبدئية والواقعية، اندماج الجزائريين مع الفرنسيين في ظل دولة تحقق العدالة الاجتماعية والحقوق السياسية، دولة اشتراكية بعد إسقاط الرأسمالية! و قد ناضل الشيوعيون ضد فرنسا الاستعمارية قبل وأثناء الثورة على هذا المبدأ وفي سبيل هذه الغاية النبيلة! أما ما دافع عنه بن باديس والجمعية فهو اندماج في ظل دولة رأسمالية استعمارية ارتكبت أبشع الجرائم ضد الشعب الجزائري الذي يريد بن باديس ان يجعله صديقًا مخلصًا ومطيعًا للدولة الفرنسية الاستعمارية. هذا هو الفرق بين الشيوعيين وجمعية العلماء! فرق بين السماء والأرض ! فرق بين من يريد التحرر ومن يريد البقاء تحت العبودية وان لم يكن يدري، فتلك سذاجة سياسية ينبغي الاعتراف بها الان وليس نكرانها !
الشيء الثالث، المهم ، الذي لا يريد كثيرون الاعتراف به وينكرونه كما يفعل كثيرون من الذين يكتبون تحت تاثير أيديولوجياتهم هو ان الشبوعيبن والليبراليين لم ينكروا ابدا ً تبنيهم ودفاعهم عن الاندماج ، ولو من منطلقات مختلفة ومتعارضة تماما، خلافا لجمعية العلماء وأنصارها ومحبيها الذين يستميتون في الإنكار، ومحاولة ايجاد تبريرات مهما كانت واهية وغير مقنعة تخفي حقيقة ان الجمعية دافعت باستماتة ولفترة طويلة عن الاندماج مع فرنسا الاستعمارية.
ملاحظة اخيرة ؛ كل ما قلته لا علاقة له بتخوين اي طرف كان ، ولا تمجيد أيا كان، بل محاولة تصحيح اخطاء شائعة، ومغالطات واسعة الانتشار يتم الدفاع عنها بوعي أو دون وعي!
شوهد المقال 570 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك