مرتضىى كزاز ـ محنة العقل المستقطب في زمن الكورونا ..ايطاليا والصين نموذج
بواسطة 2020-03-30 02:50:49

مرتضى كزاز
أكثر العقول نشاطاً هذه الأيام هو العقل المستقطب، المتحزب والموتور دينياً أو سياسياً، منذ بداية انتشار الفايروس وأنا أتسقط الأخبار متابعاً ما يفعله كورونا بالعقل لا بالرئتين، وعلى رأي أحد أبطال الأفلام المختصة بالوباءات «سأموت، ليس من المرض الذي في جسدي بل من المرض الذي في رؤوسكم».
حينما بدأت أسجل كيف تعاملت النخبة الأمريكية وأنصارها من الطرفين مع الوباء لاحظت أن القائمة أضحت مثل رواية سميكة ذات لغة ملساء وفجّة، وقد كان طريفاً أن لغة الصحف في البداية استعملت تعبير كورونا «نوفل»؛ وذلك لأن كلمة رواية ذات الأصل اللاتيني تستعمل كصفة للحدث الغريب المستجد.
اتصلت بصديق يجيد الايطالية وآخر من أصل صيني أسألهما ما هي الأساطير السياسية والدينية التي صنعها المخيال المتحزب كرد فعل على الوباء في الصين وأيطاليا، فأنا أعرف جيداً أننا كعرب نشبه أية أمّة أخرى، نحن البشر متشابهون في مسرّاتنا وأوجاعنا، لكنها تلك الأقنعة الثقافية التي تستر التشابهات كالعيوب.
أوباما «المسلم الشيوعي» عيّن شخصاً في الصحة وظيفته نقل الفايروسات من الحيوانات إلى البشر!، اسمع ذلك في الراديو، الصينيون والمثليون هم السبب، يقول معلم الإنجيل الخاص بالرئيس ترمب وهي مقولة سرقها منه فيما بعد بهيمة آل الصدر، أقول سرقها وأعرف أن العقول المستقطبة تشبه الأواني المستطرقة، تصل إلى النتيجة ذاتها وهي رغم تعذر الاتصال «واحد تافل بحلگ الثاني» كما تقول الإمثولة العراقية اللّماحة، في المعسكر الآخر انحياز سياسي مماثل يهدف إلى اسقاط الرئيس باستعمال الجائحة، وعلى رأي وول ستريت إن قلق المحافظين من إيبولا في زمن أوباما يساوي بالضبط في حدَته قلق الديمقراط من كورونا في زمن ترمب!.
ماتت المدينة ببطء لأنها لا تريد أن تصدق ذلك، وتوقفت الأشغال وخلت الشوارع إلّا من المشردين ولأنني اقرب المهندسين إلى الشركة التي أعمل فيها فقد أسندتْ إليّ مهمة سقي النباتات ونشر فتات الخبز للنوارس، قبل أحد الاجتماعات الرقمية التي أحب الالتحاق بها من مكتبي الذي يبعد دقيقة مشي أو أقل، دخلت الشركة الفارغة لأجد في قسمنا مئات البطات البلاستيكية الصفر الصغيرة، من تلك التي توضع للأطفال في حوض الحمام، موزعة بغير انسجام حتى في الزوايا المهملة، هذا المكان يضم في طاقمه الكثير من الفنانين والفنانات، عرفت بعدها أن زميلتنا مصممة الشخصيات قد بادرت بذلك، صانعةً اسطورتها المسالمة لمكافحة الفايروس في سلوك سريالي مستقطب لمصلحة الفن لا لمصلحة السياسة والحزبيين.
صحيح أن عقل الانسان مصمم على الاستقطاب ولايمكن أن لا ينحاز وجودياً وهذه الصفات تجمعه مع الأمور المادية التي لا بد أن يكون لها موقف من الجاذبية ما دام عندها وزن وكتلة، لكننا نتحدث عن العقل الذي لا يفكر إلا باتجاه المغناطيس الرمزي ويستجير به في انفعالاته العاطفية، حينما يصبح المعتقد السياسي مثل المعتقد الديني الذي يدخل مع المؤمن إلى الحمام ويرشده عبر نص طقوسي غابر كيف يغسل جسده.
المغناطيس في الديني و اللاديني على السواء يمارس فعل الجذب الشمولي نفسه.
سيغيّر كورونا العالم حاله حال احداث ١١ سبتمبر أو الحروب الكبرى وسيكون دور العقل المستقطب هو التعليق لمصلحته حتماً مثل المعلق على المدرجات، الذي قد يوقعه حماسه في الكثير من التناقضات، مثل ما بدأ الرئيس تعليقه حول الفايروس بأنه «مجرد نكتة» ونحن بخير وسنكون كذلك؛ حتى انقلب خطابه بعد وصول الحمى إلى قدميه. قد يؤجل كورونا الانتخابات وقد يقلب موازين الاقتصاد وحجوم الثروات ويصفي الفوارق ويقزم اللامساواة.. قد وخذ ما شئت من «قد» و ربما.
لكن ما نلاحظه بجلاء هو أن كورونا لقن العقل المستقطب درساً بليغاً، لأن أول ما لجأ إليه المستقطب ، كل مستقطب، هو الامساك ب«عدوه التقليدي» و اتهامه، جره من رف التأريخ أو نشرة الأخبار وتحضير وجبة الاتهام الجاهز له، وأقصد هنا الجميع .. كل «واحد عدوه گبال عينه»، لكن الكورونا طويل البال وهزم نظرية العدو الأوحد وفتّتها، ما يعني أن نسبة الناس الذين سيخرجون من فقاعاتهم السياسية والدينية ستزداد في فترة الحضانة التربوية هذه.
العقل المستقطب سيقتلنا قبل رواية كورونا، والمحنة أن ليس كل ما يقوله هذا العقل هو أكاذيب ومؤامرات، فقد «يفوتك من الچذاب صدگ چثير».
شوهد المقال 468 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك