سعيد لوصيف ـ الأدلجة، أصل التوتاليتارية وإلغاء حريّة التفكير بعمق الذات

د. سعيد لوصيف
مع صدور كتاب "أصول التوتاليتارية" (Les origines du totalitarisme) حاولت Hannah Arendt الربط بين الأذى و نوع من أنواع مرض الفكر؛ وبخاصة الاديولوجيا. إذ سعت Arendt في هذا المؤلف إلى شرح وتوضيح كيف أن الاديولوجيا هي استبدال للحرية الملازمة لملكة الإنسان وقدرته على التفكير. فالاديولوجيا بالنسبة لــــــ Arendt هي تغيير في طبيعة الفكر و تشويه لها. إنّ الأدلجة من منظور Hannah Arendt هي تحطيم لقدرة الأفراد على تكوين قناعات لديهم، و استبدال نشاط التفكير باستبداد المنطق وتعسّفه. و مهما يكن، فإنّ الأدلجة و الدغمائيات المرتبطة بها و استبداد هيمنة الفكر الأحادي والتوتاليتارية هي كلّها آليات تتجاوز حريّة الإنسان في الفعل، أي في قدرته على تحرير ذاته وتحرير علاقاته بالآخرين .
إنّ الخطاب المؤدلج هو خطاب يعبّر عن وضع وموقف دفاعي، غالبا ما يتسم بنوع من العنف اللفظي والرمزي، ولا يغامر فيه صاحبه بقبول الاحتكام لمبدأ الدحض والقابلية للدحض. وعلى هذا الأساس، يظهر أنّ مثل هذه الآليات والمواقف لا تفتح مساحات نقاش و مداولة عمومية، وإنّما على العكس من ذلك نجدها تحجر على العقل و تمنع الأفراد من التفكير من زاوية و وجهة نظر الآخرين، وتواصلهم مع بعضهم البعض. وكما يشير François Brune فإن الاديولوجيا تخلط وتمزج بين اعتقادات الإنسان وما يلاحظه ويراه، ليصل في نهاية المطاف إلى أن يتمسك فيما يراه ويبقي فقط على الأمور والشواهد التي تدعّم اعتقاداته المسبقة. فالاديولوجيا هي بهذا المعنى تصوّر نسق التأويل كحقيقة مطلقة عن العالم الذي يحيط بنا.
و إذا كان جنون العاطفة و الإديولوجيات القاتلة التي عرفتها الجزائر خلال عشرية بكاملها قد همّشت العقل وهزمته، وجرّمت التفكير وهدّدته، فإنّه يتعيّن اليوم على المثقفين والنخب السياسية أن لا يعيدوا تكرار الخطأ مرة أخرى ويعاودوا الرسوب في قراءة الأوضاع التي نمّر بها حاليا؛ فجذور الأذى تقع أصلا في ظلام العواطف ، و الخوف من حرّية الإنسان وعسكرة العقل.
شوهد المقال 276 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك