صحيفة الوطن الجزائري : فوزي سعد الله ـ عن لِسان الأندلس في مدينة دَلَّسْ... فوزي سعد الله ـ عن لِسان الأندلس في مدينة دَلَّسْ... ================================================================================ فوزي سعد الله on 12:48 14.02.2020 فوزي سعد الله "...من جهة أخرى، من الناحية الاجتماعية، لا يُمكن أن يفوت الذي زار دلَّس وتَعرَّف على أهلها من قدماء حضَر المدينة وأحوازها ذلك التشابه الكبير والمثير في ذهنيتهم ولسانهم ، من حيث الشَّكل والمضمون، وطقوسهم وعاداتهم مع الجماعات الأندلسية التي عمَّرتْ مُدنا كجيجل والجزائر وشرشال وتلمسان وغيرها رغم البُعد الجغرافي الفاصل بينها وبينهم وضُعف التواصل. ويعود هذا التماثل، برأينا، إلى الجذور الإيبيرية الأندلسية/الموريسكية المُشترَكة ...في بحثه حول "اللهجة العربية الجزائرية لمدينة دلَّس" (Notes on the algerian arabic dialect of Dellys) الصادر باللغة الإنجليزية في مجلة Estudios de dialectologia norteafricana y andalusi، لاحظ الباحث الجزائري الأمين سُوَّاق، المنحدر من عائلة عريقة في هذه البلدة، أن دَلَّسْ تمكنتْ من المحافظة على جزء من لهجتها العربية المحلية السابقة للوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر الذي بدأ عام 1830م، لا سيَّما في مجال اللّغة الخاصة برجال البحر وصيادي الأسماك، مما يؤهلها، برأينا، لأن تكون مخبرا للباحثين في عِلم اللسانيات والأنثروبولوجيا من أجل الوقوف على مختلف المؤثرات اللِّسانية التي وردتْ على المنطقة عبْر التاريخ وعلى تأثير اللسان الأندلسي/الموريسكي بشكل خاص الذي يبدو أنه عميق البصمات في المشهد اللغوي المحلي إلى جانب التأثير اللساني الأمازيغي . ولاحظ الباحث الجزائري في علم اللسانيات في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن ثم بالمعهد الوطني للبحوث العلمية في باريس أيضا أن دخول اللغة العربية على دلس تم بشكل "مُستقِلّ"، على حد تعبيره، عن المؤثرات اللسانية للبيئة المحيطة بها ولا علاقة له بالقرى والبلدات المجاورة كغالبية المدن والحواضر المغاربية خلال القرون الوسطى وأن هذه الحاضرة العريقة لم تتبنَّ اللسان العربي قبل نهاية القرن 11م وبداية القرن 12م عندما عادتْ للظهور في المؤلفات التاريخية بصفتها "تَادلسْ" التي تحدث عنها الجغرافيون والرحالة المسلمون آنذاك على غرار الإدريسي حوالي 1154م. وهي الفترة التي ظهرت خلالها الأفواج الأولى الهامَّة للأندلسيين في المنطقة، وعلى رأسها تلك التي أتت مع الأمير معز الدولة بن صمادح حاكِم ألمرية الأندلسية سابق الذِّكْر. وعلى كلٍّ، بعد ملاحظاته وتحليله للسان الدَّلسِي الحضري المُحتك مع الناطقين بالأمازيغية الذين يشكلون أقلية في المدينة، يخلص الأمين سواق إلى أن "التأثير الأندلسي قد يكون بدأ خلال هذه الحقبة: في العام 1102م، حيث اقتطع المنصور أرض دلَس لأمير ألمرية السابق معز الدولة بن صمادح". ويضيف قائلا إن "لهجة دَلَّسْ بشكل عام من النوع "المُتَمَدِّن" (sedentary) تميِّزها قَرابةٌ مُعتبَرة مع اللهجة القديمة لمدينة الجزائر، إذ تُحوِّل حرف القاف (ق) إلى كاف (ك)، وفي السابق حرف التاء (ت) إلى تْسَاء (تْسَ)..." . وهي لهجة تختلف عن لهجات القرى الصغيرة التابعة لمنطقة بني ثور المُحاذية للمدينة والتي تتحدث بلسان أقرب إلى النطق البدوي حيث يَتَحَوَّلُ في كلامها حَرْفُ القاف (ق) إلى حَرْفِ الجِيم المنطوق على طريقة أهل مصر أو مدينة فاس المغربية يضيف الباحث الجزائري. تجدر الإشَارة إلى أن نُطق حرف القاف (ق) كافًا (ك) والتاء (ت) تساءً (تس) هو من خصائص النطق على الطريقة، أو الطُّرُق، الأندلسية، بما فيها الطريقة الغرناطية، وهي موجودة في مختلف الجهات في الجزائر والمغرب التي استوطنها أهل الأندلس وأحفادهم الموريسكيون قبل قرون من جيجل وبجاية وقسنطينة ومدينة الجزائر وشرشال إلى تلمسان وندرومة والغزوات والجْبالة وشفشاون في المغرب... وبالإضافة إلى كل ذلك، يشترك اللسان الحضري في مدينة دلس مع غيره من الألسنة السائدة في المدن المغاربية سابقة الذِّكْر التي عمَّرها الإيبيريون المسلمون في الميل إلى ظاهرة تصغير الأسماء على غرار استخدام اسم "الرّْمِيلَة" بالنسبة لـ: "الرَّملة"، و"مْوَيَّسْ" بالنسبة لـ: "مُوسْ" (المُوسى/السِّكِّين)، و"كْلَيَّبْ" (كلب) و"قْطَيَّطْ" (قط) و"شْوَيَّخْ" (شيخ) و"بْنِيتَة" (بنت) و"مْسِيمَرْ" (مسمار) و"عْوِينَة" (عين) و"صْنِيدَقْ" (صندوق) و"شْوِيبَّة" (شابة) و"حْوِينْتَة" (حانوت)، وأيضا "مْخِيتَرْ" بالنسبة لـ: "مُخْتارْ" والذي قد يكون تقليدا قديما لم يندثر من المشهد اللساني في دلس في حين اختفى ولا وجود له في مدينة الجزائر أو قسنطينة أو جيجل أوعنابة أو ندرومة أو شرشال...". فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم؟ دار قرطبة. الجزائر 2016م.