فوزي سعد الله ـ عن عُيون "المحروسة بالله" التي شرب منها ملايين البشر على مدى أكثر من 5 قرون...

فوزي سعد الله
كان الأندلسي/الموريسكي المْعلَّم موسى الثغري الحضرمي يشغل في مرحلة معيّنة من حياته في مدينة الجزائر بعد لجوئه من إسبانيا خلال العشرية الأولى من القرن 17م، وظيفة "قايَد العْيُون" كمدير لشبكة المياه الصالحة للشرب وقنواتها وقناطرها وآبارها وخزَّاناتها وينابيعها وكمهندس بَنَّاء لكل هذه الهياكل وللعيون التي فاق عددها الـ: 100 عين في مدينة الجزائر خلال القرن 17م.وكانت تدخل في إطار مسؤولياته إدارة الأوقاف والحبوس من محلات تجارية وحمّامات وأراض فلاحية وغيرها لتمويل أشغال صيانة وتجديد وتوسيع هياكل الرّي هذه وتغطية نفقات المشاريع الجديدة التي تفرضها الضرورات الطارئة في المدينة "المحروسة بالله".
عين سيدي رمضان
وإذا كان المعلم موسى الأندلسي ( el maestro fontanero) قد أشرف على إدارة أكثر من 100 عين ارتوى منها أكثر من 100 ألف من سكان المدينة حينذاك، فإن هذه العيون لم تولد مع ميلاد المدينة وأشجارها وأحجارها بل هي من عمل وثمرة جُهود وإبداعات الرجال والنساء الجزائريين والجزائريات، على اختلاف أصولهم وأعراقهم، والذين احتاجوا لإيجاد حلول لندرة المياه الصالحة للشرب في أرض سيدي الثعالبي عبد الرحمن عندما نَمَتْ وتوسّعتْ وتضاعفتْ أعداد سكانها والمترددين عليها من كل بقاع الأرض، لا سيما بعد تدفق الهجرات الأندلسية/الموريسكية الجماهيرية، وأصبحت من أكبر وأجمل المدن والحواضر المتوسطية.
عين بئر خادم
الأسير الإسباني في مدينة الجزائر في ثمانينيات القرن 16م دييغو دي هاييدو يؤكد أن في عهده ما كانت المدينة تحتوي على أكثر من 7 عيون بين الأسوار، وُجدت 3 منها في ثكنات القوات المسلحة المعروفة حينذاك بـ: "قشلات الانكشارية"، 2 وُجدتا في ثكنتيْ باب عزون حيث "نادي الضباط" اليو،م وثالثة في ثكنة "باب دْزيرة"، أي باب الجزيرة في المرسى العثماني القديم الذي بناه خير الدين بربروس...
ارتوت مدينة رياس البحر والعلماء والصالحين من هذه العيون والشبكة المائية طيلة أكثر من 3 قرون...وحظيت بإعجاب وتخليد الرّحالة العرب والأوروبيين في مؤلفاتهم الشاهدة عليها إلىى اليوم. غير أن دوام الحال من المحال...
عين بئر خادم
عندما حل الفرنسيون بالمدينة مُحتلِّين و"جالبي الحضارة"، على حد زعمهم وقول قلة من أهلنا الذين آمنوا بأكاذيبهم وما زالوا يؤمنون، لم يبق من هذه العيون التاريخية الجميلة سنة 1840م، أي بعد 10 سنوات فقط من الاحتلال، سوى 73 عينًا موثَّقة في أرشيف إدارة الاستعمار وُجدتْ أكثر من 50 منها داخل المدينة بين الأسوار. أما البقية فكانت في خبر كان...
عين سيدي محمد الشريف
شيئا فشيئا، بدأت تجف هذه العيون وينضب منها الماء بسبب الإهمال في عهد الاحتلال، وأجهزنا نحن "احرار" الاستقلال والحرية، الذين ارتوينا واغتسلنا في العديد منها خلال الطفولة، على ما تبقى منها باستثناء حالات معدودات. نذكر من بينها، عين سيدي رمضان في حومة سيدي رمضان بمرتفعات المدينة الشمالية الغربية وعين بير الجبَّاح في حومة بئر الجبّاح وعين سيدي إدريس حْميدوش في شارع القصبة، والتي كانت في العهد العثماني تُعرف بعين بير شبّانة، والعين المزوّقة القريبة منها في الأسفل في حومة "سَاباط الذّْهَبْ" أو "سَاباط القْطُطْ" وعين سيدي مْحمَّد الشريف القريبة منها وعين الشارع التي أصبحت تُعرَف بعين حومة الزُّوجْ عْيون في أسفل المدينة قرب البحر والمحاذية لجامع الرَّايس علي بتشين...
ولا ندري إن كان الماء، خلال السنوات المقبلة، سيستمر في التدفق من هذه العيون التي سَلمت حتى الآن من نوائب الدهر أم أننا آخر المرتوين المغتسلين فيها...
عين بئر جباح
عين مزوقة
عين بئر جباح
داخل صحن الجامع الكبير
07.01.2020
شوهد المقال 535 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك