فوزي سعد الله ـ ثورة جبال البشارات الكبرى...23 ديسمبر/كانون الاول 1570م-1571م (La guerra de las Alpujarras)

فوزي سعد الله

واندلعت الاضطرابات والمعارك في منطقة البشارات وطالت "أجيجر وبرجة وأدرة وأندراش ودلاية ولوشار ومرشانية وشلوبانية وغيرها من البلاد والقرى، واستطاع الموريسكيون أن يتغلبوا بسهولة على معظم الحاميات الإسبانية المتفرقة في تلك الأنحاء، بل لقد سرت الثورة إلى أطراف مملكة غرناطة القديمة، حيث اندلع لهيبها في وادي المنصورة وفي قراه ودساكره (...) واشتد الأمر بنوع خاص في بسطة ووادي آش والمرية". ونشبت معارك عنيفة طيلة نحو عامين بين كتائب الموريسكيين والقوات الملكية وسقط فيها عدد كبير من القتلى لدى الطرفين وتخللتها مذابح إسبانية في حق مدنين موريسكيين عُزَّل قُتِلوا انتقاما من الثوار، وأُسِرتْ عائلاتهم، بمن فيها والدة محمد بن أمية وزوجته وشقيقاته...
على الضفة الجنوبية للمتوسط، وبتشجيع من الباب العالي وبإسناد لوجستي أندلسي من اللاجئين الذين التحقوا بالجزائر منذ سقوط غرناطة وقبلها وأبنائهم وأحفادهم، الذين كانوا يتطوعون في عمليات كوماندوس في صفوف القوات البحرية الجزائرية، كانت الجزائر العثمانية الفتية تعمل كل ما في وسعها لدعم الثورة بالسلاح والمال وحتى بإرسال المجاهدين المتطوعين من العثمانيين والجزائريين الأهالي بمختلف انتماءاتهم الإثنية والقبلية.
بهذا الشأن، يقول المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني إن العلج علي الجزائري فكَّر في "إمكانية تقديم المدد لمجاهدي الأندلس، ولقد اجتمع لهذا الغرض جمعٌ من أهالي الجزائر في أحد المساجد وتمكنوا من اختيار المتطوعين للاشتراك في ثورة جبال البشارات التي اندلعت عام 1569م، وتمكن المتطوعون من النزول بشواطئ شرق الأندلس بنواحي المريّة ومَارْبِلَّة ما بين سنتي 1568م – 1569م...".
وعندما تعثرت ثورة البشارات وتعرض الموريسكيون لأبشع أنواع الاضطهاد قتلا وتشريدا وبيعا في أسواق النخاسة ونهبا وسلبا وتنصيرا بحدِّ السيف ودويّ المدافع، تجندت البحرية الجزائرية بكل ثقلها بالتنسيق مع الباب العالي لإنقاذ الموريسكيين وتسهيل خروج المقاتلين من بلادهم باتجاه الجزائر، لتتواصل المجابهة لاحقا مع الإسبان عبْر المعارك البحرية والعمليات العسكرية الخاطفة التي كانت تخوضها القوات الجزائرية ومُجنَّدوها الموريسكيون انطلاقا من مدينة الجزائر بالسيطرة على مناطق ساحلية إسبانية لبضع ساعات أو أيام ريثما يتم إجلاء مَن علق فيها من الموريسكيين ونقلهم إلى الجزائر. واستمرت هذه المجابهة العسكرية على مدى مئات السنين حتى أطلق عليها بعض المؤرخين "حرب الثلاثمائة سنة".
لا شك أن ثورة البشارات لو كُتِب لها النجاح، لَاتَّخَذتْ الأحداث وجهةً أخرى ولَهَبَّتْ رياح التاريخ في منطقة المغرب العربي والأندلس بما تشتهيه سُفنها، لكن "لكل شيء إذا ما تمَّ نقصان...فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسان"، مثلما قال أبو البقاء الرندي الذي علَّمتْهُ الحياة بأنها "...دولٌ...مَن سرَّه زمنٌ ساءتْهُ أزمانُ...".
فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم. دار قرطبة. الجزائر 2016م. بتصرُّف.
شوهد المقال 1430 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك