أحمد يوسف ـ قدسية اللغة
بواسطة 2018-05-20 01:32:56

د. أحمد يوسف
هل من بين لغات البشر منذ القدم حتى الآن لغة مقدسة؟أعلم أن تكون لغة للمعابد أو الأديرة أو دور العبادة لقوم من الأقوام كاللغة المصرية القديمة،ولكني لا أفهم أن تكون لغة ما لغة مقدسة.فالتقديس هو التنزيه المطلق عن كل نقص أو عيب .والتقديس يقابله التدنيس الذي يعني كل ما يتعلق بالممارسات البشرية من نقص وعيب وسقوط في هوة الرذيلة أوسيطرة الرغبات أو الشهوات التي تتفق الجماعة البشرية على حظرها ووضعها في منطقة الممنوع أو المجرم أو المحظور.فهل عرفنا نحن البشر لغة مقدسةبهذا المعنى الذي وضحناه وما جدوى هذه اللغة إن لم تكن لغة البشر الذين هم يقعون في المحرم وغير المباح وتستهويهم الرغبات والشهوات بل هم يبيحون لأنفسهم القتل والسفك والاغتصاب تحت ذرائع شتى؟
إن اللغة بيت الوجود.والوجود هو دراما الإنسان على الأرض.وجوهر الوجود هو العمل بوجهيه السلبي والإيجابي وبنوعيه الفردي والجماعي وباتجاهه الخيري والرسمي.والعمل كد وكدح وأمل ويأس وفرح وحزن وغناء وبكاء وفشل ونجاح وترقب لدورة الأفلاك في الصيف والشتاء والخريف والربيع وقدرة على مواجهة الندرة وعلى التصرف في الوفرة.
هذا العمل يخلق صراعا قويا بين الأقوياء بعضهم البعض من جهة،وصراعا آخر بين المغلوبين والمقهورين بعضهم البعض من جهة أخرى وبين هؤلاء وهؤلاء،فهل اللغة وهي وعاء الوجود في معزل عن كل ذلك؟وهل هي منزهة عنه؟وهل هي بريئة منه؟فكيف تكون إذن مقدسة؟إن الغواية كل الغواية في الكلمة،والسقوط كل السقوط في الكلمة والسمو والرفعة أيضا في الكلمة.بداية الوجود كلمة ونهايته كلمة.وسكن آدم وحواء الجنة أساسه الكلمة،وغوايتهما وهبوطهما إلى الأرض كان سبيله الكلمة.إن سجل أعمال الإنسان مكتوب أساسه الكلمة"اقرأ كتابك كفى بنفسك الْيَوْمَ عليك حسيبا"إذن فاللغة ليست مقدسة.اللغة بشرية تخضع لكل ما يخضع له الوجود من تحولات وتغيرات إن قانون التغير والتطور هو الحاكم والمسيطر واللغة ركن من أركان الوجود .والمقدس مهما يكن له وجود أعلى من هذا الوجود لا يتغير ولايتحول ولايعتريه الوهن ولايصيبه الخرف ولا تسبيه المغريات ولايناله النقص هو كامل بذاته وفي ذاته يحتاج إليه كل ساع إلى الكمال،هو المصدر الأول لكل ما نعلم ولانعلم.فهل الذين يقولون إن اللغة العربية لغة مقدسة يقصدون ما أشرنا إليه من معنى التقديس؟إن العربية لغة قوم كانوا يعيشون على الأرض قبل نزول القرآن إليهم وإلى كافة الناس،كان هؤلاء بدوا جفاة غلاظا معزولين عن أسباب المدنية التي كانت على أطراف جزيرتهم ولم تألفهم ولم يألفوها إلى أن جاء رجل منهم مبعوثا فيهم بأمر السماء ومكلفا بالوحى فحدث لهم ما حدث.وقد جاء الوحي بلسان قومه وهي سنة الله في كل أنبيائه أن يرسلهم الله بألسنة أقوامهم ولأن هؤلاء البدو كانوا على ما كانوا عليه من حجة البيان وطلاقة اللسان،جاءالقرآن على هذا النحو المفارق لبيانهم مع أنه وبيانهم من جنس واحد وهو اللغة التي هي لغتهم التي لم تكن مقدسة،فكيف صارت مقدسة؟إن القرآن كتاب الله محفوظ في الصدور وفي الكتب بقدرة الله وحده وهو شاهد على زمن الوحي وعلى تجدد البيان وروعته وطلاقة الحجة ووحدانية الله لكن القرآن لم يشر من بعيد أو قريب إلى قداسة اللغة العربية التي هي لغة تستمد قوتها من قوة أهلها كما يصيبها الوهن بوهن أهلها وقد مرت كما مر أهلها بما مرت به حضارتها من تقدم ورفعة وازدهار أو تراجع وتخلف وانكسار وعلينا أن نعود إلى وعينا بأسباب التقدم وهي معروفة بدلا من التعلق بأستار الخرافة.
شوهد المقال 1332 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك