مخلوف عامر - مالك شبل ، ماذا يبقى منه للتاريخ؟
بواسطة 2016-11-17 01:35:31

د.مخلوف عامر
يُعدُّ المرحوم (مالك شبل) من أبرز الباحثين والمفكِّرين المغاربيين، أمثال محمد أركون وعبد الكبير الخطيبي وعبدالله العروي وعبد الوهاب المؤدب وعبد الفتاح كيليطو، وغيرهم.
وممَّا يميِّزه، أنه تشبَّع بالتراث العربي الإسلامي وأضاف إليه الثقافة الغربية. فكان بذلك من أقرب مَنْ عرفوا الأنا والآخر.فلعلَّ أهمَّ وأجمل تكريم يُقدَّم لهذا الإنسان الذي أفنى أعزَّ شطر من حياته يطلب المعرفة، وعانى الجحود والنكران من وطنه، أنْ نلتفت إلى آثاره، فقد تختصر أمامنا مسافة كبيرة وتضيء لنا كهوفاً ظلَّت إلى اليوم مظلمة.
فهو يرتكز على قناعة راسخة لديْه، مفادها: أنَّ الحضارة العربية الإسلامية تأسَّست في فترة من التاريخ على التسامح وتمجيد العقل، ولنا في فكر المعتزلة والفارابي وابن سينا وابن رشد ،نماذج حيَّة. لذلك يُنكر على (البابا) في محاضرته الشهيرة حين قال: إن الإسلام ينافي العقل.فلولا هذه الحضارة ما كان للنهضة الأوربية لتتحقّق، وما كان لها لتعرف آثار السابقين من يونان ورومان عن طريق (توما الإكويني) وغيره.
لكنَّ هذه الحضارة أفل نجمها منذ عصور الانحطاط وتخلَّيْنا عن العقل.ولأنَّ الغرب يجهل هذه الحقائق صار يحكم على الإسلام من خلال التأويلات المُحَرَّفة التي فرَّخت جماعات تدَّعي امتلاك الحقيقة وتمارس الإقصاء بشتَّى الوسائل البشعة.إنَّ هؤلاء-في تقديره- لا يمثِّلون الإسلام.
فجاء كتابُه:((بيان من أجل إسلام التنوير 2004))، دعوة لتجديد الفكر الإسلامي، بحيث أصبح من الضرورة المُلحَّة أن نقوم بمراجعة كثير من المُسلَّمات الخاطئة في فهْمنا وتأويلاتنا، سواء ما تعلَّق منها بالقرآن أو الحديث النبوي أو ما تفرَّع من الفقه والتشريع.
وهو لا يكتفي بعرض أحوال الفكر المتكلِّس، بل يُورِد جملة من المقترحات منها:
1-من الضرورة اليوم أن نقدم تفسيراً جديداً للنصوص الإسلامية المقدسة من قرآن وحديث نبوي وفقه وشريعة الخ، فالشريعة في نهاية المطاف ما هي إلا اجتهادات بشرية أمْلتْها ظروف خاصَّة.
2-ويذهب إلى أنه، إذا ما تعارض الدين مع العقل، فينبغي ننتصر للعقل لا للدين.لأنَّ تغليب الدين في هذه الحالة سيكون تطبيقاً أعمى لا يراعي الأوْضاع المستجدَّة، وحينئذ نكون قد جَنيْنا على أنفسنا وعلى الدين نفسه.
3- إن جوهر الحضارة إنساني، ولذلك لا بدَّ من التخلِّي عن فكرة الجهاد، أيْ أنَّ إنسان الحاضر والمستقبل، إنما يُعَوِّل على الإقناع لا على فرض الفكرة بواسطة العنف.
4-ومن هنا يجب منع صدور أي فتوى تُشرِّع القتْل وتبيح الاغتيال.
5-وإذا كانت عصور الحضارة الإسلامية في عزِّ ازدهارها قد ضَمِنتْ حرية الفكر والعقيدة، فإنَّه أوْلى بنا اليوم وغداً، أنْ نأخذ العبرة من هذا التاريخ الذي شارك فيه علماء وفلاسفة من مختلف الأعراق والثقافات.ولعلَّ هذا ما أوْحى إلى (مالك شبل) أن يؤلِّف كتابه: ((أبناء إبراهيم المسلمون واليهود والمسيحيون)).
لكنَّه -وفي حدود اطلِّاعي المحدود- سواء على ما كتبه(مالك شبل) وأيْضاً( محمد أركون)على ما بيْنهما من تمايز، يبدو لي أنَّ الانطلاق من الدين لتنوير الدين، قد لا يزيد على أنْ يُعمِّق الإيمان بالدين. فلا بدَّ من خيار حاسم بالنسبة للمثقفين والفلاسفة والمفكِّرين. إمَّا إيمان بالعقل أو عقل للإيمان.
وقصَّة المثقفين الذين غازلوا الإسلام السياسي خوْفاً أو عن سذاجة وبنوايا حسنة، أدَّت بهم إلى حالة رهيبة من الندم، كما حصل لأولئكم الإيرانيين الذين هلَّلوا للـ (الخُميْني) وناصروه، ثمَّ ما لبثوا أنْ ذاقوا مرارة القتْل والسجن والتعذيب والتشريد.
فالآيات الكثيرة التي تدعو إلى إعمال العقل في القرآن،تهدف جميعها إلى ترسيخ الإيمان بدين محدَّد.
ثمَّ إنَّ الذين يمارسون همجيتهم باسم الإسلام لا ينطلقون من فراغ، بل يستندون إلى نصوص مقدَّسة تمنحهم حق التأويل لممارسة العنف. فيكفي "الداعشي" أنْ يقرأ الآية:33 التي من سورة المائدة: ((إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)).
تكفي المؤمن المتصلِّب آية واحدة كهذه، كيْ يمتلك الشرعية المطلقة لتكفير مخالفيه وإبادتهم. لأنها في تأويله، لا تُحرِّض على القتْل وحسب، بل تشرح له كيفية التنْكيل بمَنْ يراهم أعداء.
((أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)).
فاستخدام الأدوات العصرية لتفكيك النصوص،سواء أكانت صادرة من علم النفس أو الأنتروبولوجيا أو اللسانيات أو غيرها من العلوم، وهي ضرورية بالتأكيد، إلا أنها-أحياناً- قد تعمِّق التقديس بطريقة معاصرة، وتَخْلص في النهاية إلى الإبْهار وتكريس دائرة الإيمان.وبالتالي ستبقى على القلوب أقفالُها، فنعود-مرَّة أخرى- إلى ما قاله المفكِّر التونسي(يوسف الصديق): (هل قَرَأْنا القرآن أمْ على قلوب أقفالها؟))
فهل يصحُّ القول للمسلم أو للغربي، بعد هذه القرون الطويلة، أننا لم نفهم القرآن بعْد، وقد فَهِمَه بدويٌّ في شبه الجزيرة العربية وقتئذ، أمْ نكرِّر المقولة الممجوجة، بأن الإسلام شيء وممارسة البشر باسمه شيْء آخر ولو كانوا صحابة تقاتلوا من أجل السلطة؟؟
إنَّ دعوة بعض المفكرين-مثلاً- إلى إعادة ترتيب القرآن وفْق أسباب النزول، تُواجَه دائماً بالرفض، مع أنَّ معرفة أسباب النزول شرط أساسي لدى المُفسِّرين.فهل يعني ذلك الخوف من الوقوع في تفسير اجتماعي أو ماركسي تحديداً للكتاب؟
لذلك، أرى أنَّه من واجب كافَّة المتنوِّرين من النخبة، أنْ يحسموا أمرهم، فيما إذا كان مصدر التناقض هو الممارسة وحْدَها، أمْ أنَّ التناقض مُتجذِّرٌ في مصادر التشريع أصْلاً. إذْ هناك أمورٌ لا نحتاج إلى كثير من التفلسف لإدراكها.
شوهد المقال 1862 مرة
التعليقات (1 تعليقات سابقة):
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿27﴾ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿28﴾ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ﴿29﴾ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿30﴾ فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴿31﴾ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿32﴾
* من أروع ما قرأت و أقرأ و لا أملُّ من قراءتها. فلو كما ذكّرتَ به و ذكرته ؛ فلو أُعتمدَ نسخ القرآن حسب أسباب نزوله ، لارتحنا كثيرا من مطبات التأويل و التحريف للمفهوم الحقيقي للرسالة الإلهية!
فالفكر الداعشي الظلامي ـ رغم أني لا أضعه في مرتبة الفكر ، و أُخبّذ تقديم الكاف على الفاء ـ ؛ يكتفي بآية واحدة يتيمة خارجة عن سياقها الصحيح ، و دون معرفة مناسبة نزولها ـ تعَمُّدا أو جَهلا ـ لتعميم " الفساد في الأرض و التقتيل " باسم الله ! أما الفكر ـ التنويري ـ يعتمد على كل ما هو تسامح و سلام بناءا على قناعات عقلية متطابقة بالمنطق مع الخطاب الإلهي.
أضف تعليقك