فوزي سعد الله - الأندلس في القارة الأمريكية

فوزي سعد الله
"....أوَّل حضور مُوثَّق لهم في هذه البقعة من العالم يعود إلى بدايات القرن 16م. وفي البيرو، تحديدًا عند الحملة الإسبانية الاستعمارية ضد هذا البلد، إذ يعود الوجود الأندلسي/الموريسكي هناك إلى العام 1532م على حد قول المؤرخ/الصحفي/الكاتب البِيرُوفِي نِيلْسُونْ مَانْرِيكِي (Nelson Manrique) .

التاريخ يَذْكُرُ لنا أيضا شخصيةً أخرى يَفترِض الخبراءُ المختصون أنها موريسكية وتتمثل في كْرِيسْتُوبَالْ دِي بُرْغُشْ (Cristobal de Burgos) الذي كان من ضِمن الموريسكيين الوافدين إلى منطقةِ كَاخَامَارْكَا (Cajamarca) بعد احتلال "العالم الجديد" ، فضلا عن الذين جيء بهم كعبيد في أعقاب فشل التمردات والثورات الموريسكية المتعاقبة في إسبانيا، لا سيما ثورة البشرات الكبرى.
وكانت الغالبية القصوى لهؤلاء العبيد الذين حَطَّتْ بهم الأقدارُ في "العالم الجديد" من النساء بنسبةِ 4 إلى 5 نساء مقابل رجل موريسكي واحد مُستعبَد، فيما كانت النسبة بالنسبة للعبيد الزنوج الأفارقة: 3 عبيد من الرجال مقابل امرأة واحدة مستعبَدة بسبب الحاجة لسواعد الرجال الزنوج للعمل في الحقول والتجديف وغيرها .
A Lima au Pérou: Plaza de Armas pano
ومما يثير الانتباه في والإعجاب أن موريسكيين في أمريكا اللاتينية بقوا على حد قوي من التشبث بديانتهم الإسلامية إلى حد القيام بالدعوة سرا للإسلام في مناطق إقامتهم مخاطرين بحياتهم التي فروا من أجل حمايتها من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى "العالم الجديد".
في العام 1560م، على سبيل المثال، أُدين في مدينة كوسْكو في البيرو بغَّال موريسكي يُدعى لويز صولانو (Luis Solano) ابن الموريسكي خوان صولانو (Juan Solano) والزنجية الإفريقية منسية أو منثية (Mencia) بشُبهة اتباع العقيدة "المحمدية" سرًّا والترويج "لديانة مُزَيَّفة" .
أما المتهم الموريسكي الثالث لوبي دي لا بيفْيا (Lope de la Pefia) المنحدر من وادي الحجارة أو غْوادالاخارا (Guadalajara) فقد سَلم من الإعدام لاتهامه بالممارسة السرية لتعاليم الإسلام فقط دون العمل على نشرها والدعوة إلى اعتناقها. وبالتالي حُكم عليه بالسجن المؤبَّد وارتداء الزي المخزي مدى الحياة" .
Lima: Plaza des Armas Le palais de l'Achevêché (palacio Arzobispal) jouxte la cathédrale
في العم 1569م، عاشت العاصمة البيروفية ليما محاكمةً مثيرة بتهمة الانتماء إلى الديانة الإسلامية والدَّعوة إليها ضد مارتِن روميرو دي خِيبرالْتارْ (Martin Romero de Gibraltar) الذي سبق له أن قضى 16 عاما في الأسْر في "برباريا" (المغرب العربي) ثلاث مرات. وقد حُوكم أمام محكمة التفتيش بسبب تَفَوُّهِه بعقيدته الإسلامية خلال خصومة....
اليوم، بعد ذوبان هؤلاء الأندلسيين الأحفاد واندماجهم في منفاهم الأمريكي اللاتيني؛ من البيرو وكوبا وفنزويلا حتى البرازيل و الأرجنتين والشيلي، ما زالت الشواهد على تأثير الثقافة الأندلسية/الموريسكية قائمة وواضحة في العديد من نواحي الحياة في أمريكا الوسطى والجنوبية، على الأقل، من بينها المعالم العمرانية القديمة التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية الإسبانية لهذه المنطقة الشاسعة.
لعل أقل هذه المؤثرات، التي بلغتْ هذه البقعة من العالم قبل نحو 5 قرون، مباشرةً عن طريق اللاجئين المورسكيين إليها أو بشكل غير مباشر عبْر الاحتلال الإسباني الذي كانت ثقافته متشبِّعة بالعادات والتقاليد وفنون العيش الأندلسية/الموريسكية، بما فيها لمسات المُدجَّنين (Mudéjarés) ، أقل هذه المؤثرات، حسب المؤرِّخة البيروفية إِيلْيَانَا آرَاغُونْ (Ilana Aragon)، هي استخدام مواد مرِنة في البناء وسَهلَة المَنَال كالجَص والخزف والخشب على غرار خشب الجوز والسَّرْو والأبنوس.
وهذا ينطبق على كامل الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية. وهو ما تؤكده البنية المعمارية لغالبية الكنائس التي تعود إلى عهد الاحتلال الإسباني في العاصمة البيروفية لِيمَا بأسقفها الخشبية وأبوابها المنحوتة وفق الطراز الموريسكي/المُدجَّن وزلِّيجها الإشبيلي وقِبَبِها وأقواس نوافذها ومختلف أساليب تزيينها وزركشتها التي تُحاكي الفن المعماري الإسباني/الموريسكي/المُدجَّن على غرار دير وكنيسة سَانْتُو دُومِينْغُو (Santo Domingo) التي تُعدُّ الأقدم في لِيمَا ودير سَانْ فْرَانْسِيسْكُو في المدينة ذاتها ، بالإضافة إلى شرفات قصر الأسقفية في كُوسْكُو (Cusco) ومقر وزارة الخارجية البيروفية في العاصمة لِيمَا بنوافذه الخشبية المنحوتة بذوق رفيع والمُستلْهمة من فن المشربيات و ما كان يُسمَّى في غرناطة بـ: الشَّمِيس والتي نجد لها نظائر في ساحة السلاح (Place d’Armes) في منطقة تْرُوخِييُّو (Trujillo) وفي قصر المَاجُورَا دِي فَاكَالَا (Majorat de Facalá)، مما يُضفي على محيط هذه المعالم العمرانية العتيقة إلى اليوم عبقا أندلسيا عربيا/إسلاميا....".
Lima: rue et balcons coloniaux inspirés des moucharabiehs orientaux et arabo-andalous.
فوزي سعد الله: "الشتات الأندلسي في الجزائر.... دار قرطبة. قريبا
شوهد المقال 1452 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك