فوزي سعد الله - عن لساننا ولسان الأندلس

فوزي سعد الله
"....كل هذه المواصفات التي تُميِّز اللهجة الغرناطية واللهجات الأندلسية متوفرة إلى اليوم بِنِسَبٍ متفاوتة في المناطق المغاربية، المغربية والجزائرية بشكل خاص، التي سكنها الأندلسيون والموريسكيون بعد الهجرة أو اللجوء أو الطرد. وهذا الإرث التاريخي اللغوي المُشترَك، الذي لم نعد نشعر به ولو أننا نقتات منه لغويا بشكلٍ لا واعٍ، هو الذي يُعطي اليوم الانطباعَ بأن لِسانَ تِطْوَانْ وجْبَالَة وفَاسْ في المغرب وتلمسان وندرومة والغزوات وجيجل وشرشال في الجزائر، على سبيل المثال، متشابهٌ ويحتار الناس في تفسيره.
المستشرق الفرنسي ويليام مارْصي نشر في كتابه Textes arabes de Tanger (نصوص عربية من طنجة) نماذج تعود إلى الأعوام الأولى من القرن 20م من الكلام الدَّارج في هذه المدينة وضواحيها المتأثرة بعمق بالتقاليد الأندلسية/الموريسكية منذ قرون.
"الخُبْزْ هِيَّ النَّعْمَة ذِسِيدِي رَبِّي بِهَا احْنَا عَايْشِينْ (...) الَعْيَالْ الصّْغَارْ مْنْ اَينَ كَاتَعْطِيهُمْ يَمَّاهُمْ الخُبْزْ كَايَحْتَاجْ يُبُوسُوهَا وَيْقُولُوا بَسْمْ الله عَادْ بَاشْ يَاكْلُوهَا وَالرَّجَلْ إِذَا جَاء يَاكُلْهَا إذا طَاحَتْ لُه فْتِيوْتَة فِي الأرْضْ كَايَرْفَدْهَا وَيْبُوسْهَا وْيَاكُلْهَا وْإِذَا كَانْ مَاشِي في الزَّنْقَة وْشَافْ شِي طْرِيّفْ مْطَيَّحْ قُدَّامُه كَايَرْفْدُه وَيْبُوسُه (...) نَاسْ البْلاَدْ كَامْلِينْ اللِّي بْأَهْلْهُمْ كَايْعَجْنُوا الخُبْزْ فِي دْيَارْهُمْ، وَالِّلي مَا عَنْدْهُمْ أَحَدْ وْبَرَّانِيِّينْ كَايَاكْلُوا غِيرْ طَاجِينْ الشّْمَائَتْ كَايَشْرُوهَا مْسَاكِينْ غِيرْ مَنْ عَنْدْ الخُبَّازِينْ. وْعَنْدْنَا عِيبْ الرَّاجَلْ اللِّي يْكُونْ بْدَارْهُمْ وْيَمْشِي يَشْرِي الخُبْزْ مْنَ السُّوقْ عْلَى خَاطَرْ الخُبَّازَاتْ مَا كَايَاكلْ الخُبْز دْيَالْهُمْ غِيرْ اللِّي مَا عَنْدُه نَفْسْ مَنْ جَانِبْ العْفَن وَالوْسَخْ وْالمْسَاسَخْ..." .
وعند تطرقه إلى تقاليد الاحتفال المحلية بعيد العَنْصْرَة المشترَك مع عدة جهات في الجزائر كجيجل وتلمسان ومدينة الجزائر، وهو ما يقابل عيد ميلاد النبي يحي (Saint Jean)عند النصارى الكاثوليكيين في أوروبا، نلمس تشابها مثيرا بين لهجة مدينة طنجة المغربية الشمالية ونظيراتها الجزائرية سابقة الذكر كتلمسان وجيجل ومْسِيرْدَة والغزوات...إلخ. فيقول كاتب النص في فصل "العَنْصْرَة فِي جْبَلْ الكْبِيرْ":
"فِي النّْهَارْ ذِالعَنْصْرَة كَايْخَرْجُوا النّْسَاء وْالبْنِيتَاتْ وَالرّْجَالْ وْالعْزَارَى وْالعْوَاوَلْ وْمَا كَايَبْقَى غِيرْ القْلِيلْ فِي النَّاسْ فِي المْدِينَة فِي حَالْ اللِّي مْوَقّْرِينْ. وْكَذَا وْهَذُوكْ اللِّي كَايْخَرْجُوا كَامْلِينْ كَايْجَمْعُوا المَاكّْلَة وْأَقُولاَنْ وَالطّْرُورْ وَالطّْبُولْ وَالرّْجَالْ وْالْعْزَارَى اللِّي كَايْكُونُوا مْوَالَعْ كَايْخَرّْجُوا مْعَهُمْ الكَامَنْجَاتْ وَالعِيدَانْ وَالرّْبَابَاتْ وَالقْنَابَرْ وَالإقَامَة ذِالوْتَرْ اللِّي كَاتْخَصّْ كَامْلَة...النَّاسٍ اللِّي كَايْكُونُوا تَاجْرِينْ بَزَّافْ كَايَدّوا عْلِيلُو بَالغَيْطَة. هَذَا عْلِيلُو سَمّاه المْعَلَّمْ عَلاّلْ لَكِنِّي عْلَى آشْ هُوَ قْصِيَصْر وَرْفِيُّوقْ وْالعْوِينَاتْ دْيَالُو قَدّْ العْوِينَاتْ ذِالفْلِيلَسْ وْمَنْ اَيَنْ تْشُوفُه مْنْ الُوْرَاء مَاشِي تْقُولْ هَذَا غِيرْ وَاحَدْ العْوِيَّل ذِارَبْعْ سْنِينْ مَنْ المْسَخْ اللِّي مَسّْخُه رَبِّي مْنْ اَيَنْ كَايَبْدَا يْغَيَّطْ كَايَتْشَادُّوا عْيُنُه وْكَايَنْتَفْخُوا اَحْنَاكُه مْعَ وَاحَدْ الرَّزَّة عَنْدُه كْبِيرَة تْقُولْ الرَّزَّة ذِالشِّيخْ ذِبْنِي مُورْ وَالجَلاَّبةَ وَالصَّبَّاطْ ذِيَالُه مْنْ اَيَنْ كَايَبْلُوا وْكَايَبْغِي يْبِيعْهُمْ...مَا كَايَجْبَرْ حَتَّى وَاحَدْ اللِّي يَشْرِيهُمْ مَنُّه مَنْ قَّوْة الصّْغَرْ اللِّي صْغِيرْ حَتَّى تْقُولْ شِي فْرِيرَجْ..." .
ثم يصف الكاتب الطريق إلى مكان الاحتفال بالعنصرة فيقول: "وَمْنْ اَيَنْ كَانْخَرْجُوا عْلَى فُمّْ ذَاكْ الزَّنْقَة عَادْ كَانْجَبْرُوا المْحَجّ الكْبِيرْ اللِّي كَايْخَرّجْ لَلْعَنْصَرْ مَا كَانْخَلّفُوا شِي عَشْرِينْ خَلْفَة وكَانْخَرْجُوا في العَنْصَرْ صَافِي بْظَلُّه وْصِفَاتُه...ُهَو غِيرْ ذِالاشّْجَارْ ذِالزِّيتُونْ وذِالبِيلَمْ اَمَدْرَانْ ذْيَالْهُمْ والوْرَقْ هُمَا كَايْعَمْلُوا الظّْلُولْ والتّْبَارَدْ وْالفْرِيشْكْ وَالنّْسِيمْ وَالْتَحْتْ جَاءتْ وَاحَدْ الحُفْرَة كْبِيرَة تْقُولْ اَنْتِينْ غِيرْ الغُنْصَة ذِالزّْرَعْ وْشِي مَا صَافِي فِيهَا فِي حَالْ الذّْهَبْ..." .
ويتكرر الانطباع ذاته بالتشابه وبالعمومة اللِّسانية في جميع النماذج من النصوص التي يتضمنها كتاب وِيلْيَامْ مَارْصِي على غرار "الحْكَايَة ذِالطَّلْبَة" وفي بعض نماذج الأغاني الشعبية التي كان يتنكَّتْ بها الطَّنْجَاوِيُّون على غرار هذه التي يسْخَر فيها الناسُ من فتى ضَرَطَ وسط جَمْعٍ من الرِّجال والفِتيان وكَلَّفَهُ ذلك غاليَا بسبب التهكم القاسي الذي تَعَرَّضَ لها. وتقول بعض أبيات هذه الأغنية الساخرة:
في هذه النصوص الطَّنْجِيَة، نعثر عن العديد من أَوْجُهِ التشابه في النُّطق المُتَمَاثِلَة مع اللسان الدَّارِج الأندلسي على غرار القول "بطع" بدلا من "بِضْع" واستخدام فعل "بَلَّجْ" بمعنى أغلق الباب و"البَلْجْ" بمعنى المغلاق والذي يقول ويليام مارصي إنه استُخْدِم في الأندلس دون أن يقدِّم َ تفسيرا لشيوع هذا الفعل ومشتقاته بهذا المعنى في "في الشمال الشرقي الجزائري وفي تونس" دون طنجة التي تستخدمه بمعنى إغلاق العينين نصفيا لتفادي الضوء القوي ("يْبَلَّجْ عَيْنِيهْ") ولو أنه شديد القرب من المعنى الأول، لأنه يفيد بالإغلاق .
ويُلاحَظ التماثل ذاتُه بين الأندلس، حسب قاموس بيدرو دي آلكالا (Pedro de Alcala)، ومدن كتِلِمْسان ونَدْرُومَة وجِيجَلْ والجزائر، بل وحتى في جزيرة مالطا، في تسمية النافذة بـ: "الطَّاقَة" وجمعِها على صيغة التكسير "الطِّيقَانْ" وتصغيرِها بالقول "الطّْوِيقَة" أو "الطقيقة"، حسب الراهب بيدرو دي آلكالا، في غرناطة بداية القرن 16م .
كذلك تشترك في استخدام عبارة "فَايَنْ"، اختصارا لـ: "فِي أَيْنَ"، كالقول "فَايَنْ كُنْتْ"، كلٌّ من طنجة وغرناطة، على الأقل من بين البلدات والأرياف الأندلسية، وتلمسان وندرومة ومدينة الجزائر، على الأقل إلى غاية القرن 19م، ولو أن هذه الأخيرة نَزَعَتْ إلى نُطقها "فِينْ" (كالقول "فِينْ كنْتْ") .
وتكاد تنطبق القاعدة ذاتها على "فَايُوقْ" أو "فَايْوَقْ" التي تُختَصَر بها جُمْلَة "فِي أَيِّ وَقْت" و"مْنَايَنْ" التي تَختَضِرُ "مِنْ أَيْنَ" وتشترك في استخدامها كل من الأندلس والحواضر والأرياف "الأندلسية" الطابع في منطقة المغرب العربي، وأيضا "عْلاَيَنْ" التي هي في الأصل "على أين" التي صادفها ويليام مارصي في طنجة وجهات أخرى من المغرب بما فيها جنوب البلاد، وقال إنه لم يعثر عليها أبدا في الجزائر، ولو أن الحقيقة غير ذلك، لأن هذه العبارة موجودة في جبال جيجل على الأقل عند قبيلة بني يدر............................"
فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر.....
Vue panoramique de la plage Bab El Oued et de l'enceinte est de la ville d'Alger, autrement dit: Qaa Essour
شوهد المقال 1931 مرة
التعليقات (0 تعليقات سابقة):
أضف تعليقك